الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:53]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].
ثم أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! لقاؤنا اليوم -بحول الله وفضله وتوفيقه- مع حجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم المعروفة بحجة الوداع، نعيش مع الخطبة الجامعة التي ألقاها النبي عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة.
والعالم إن كان يفتخر اليوم بأن له منظمات لحفظ حقوق الإنسان، فنقول لهم: لقد أصدر خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم وثيقة حرمات المسلم، أقول: وثيقة حرمات، لا حقوق، هذه الوثيقة بين فيها عليه الصلاة والسلام حرمة المسلم على أخيه المسلم.
فإلى منظمات حقوق المرأة أقول لهم: ها هو خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم يوصي بالمرأة في يوم عرفة، ثم يبين أن كل أمر من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمه عليه الصلاة والسلام.
وأبت الأمة إلا أن تخرج أمور الجاهلية من تحت قدم رسول الله؛ لتعود الجاهلية تطل برأسها، وبتبرجها السافر، وإذا كان الله سبحانه قد وصف التبرج في المجتمع الأول بأنه تبرج الجاهلية فقال: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، فما بالك بتبرج النساء اليوم؟! يظلم الجاهلية من أراد أن يقارن بين الأمرين! إن المرأة في الجاهلية الأولى كانت تلبس جلباباً يواري جسدها، ولا تبدي إلا شيئاً من نحرها وصدرها، ووصف الله ذلك التبرج بأنه تبرج الجاهلية، فما بالنا اليوم؟ إننا نجد تبرجاً أشد بكثير من تبرج الجاهلية الأولى.