الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، خلقنا من عدم، وأطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وعلمنا من جهل، والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً.
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام الأحباب! إن من حكمة الحديث أن يوافق الزمان، واليوم الأمة تنتظر عاماً هجرياً جديداً، فلابد أن يكون الحديث متعلقاً بالهجرة، لكن من منظور آخر ألا وهو مفهوم الهجرة.
يقسم العلماء الهجرة إلى ثلاثة أقسام: هجرة أوطان، وهجرة أبدان، وهجرة أعمال.
فهيا بنا نعيش مع هذه الأنواع؛ لنربط بينها وبين سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ننظر في واقعنا: متى تجب هجرة الأوطان؟ ومتى تجب هجرة الأبدان؟ ومتى تجب هجرة الأعمال؟ الهجر لغة: هو الترك، يقول ربنا: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل:10].
وقال للزوج في حال المرأة الناشز التي لا تطيعه: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34] فالهجر هنا بمعنى: الترك.