ولقد قسم العلماء هذه المطهرات إلى عشرة مطهرات تطهر العبد، تسعة منها في الدنيا والآخرة، والعاشر إن دخل النار فإنه يدخلها للتطهير من ذنبه؛ لأن القاعدة تقول: لا يدخل الجنة مشرك ولا يخلد في النار موحد؛ لأن الله يقول: (أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، وعمل من الخير ما يزن ذرة)، وهذا أمر هام؛ لأنه يفرق بين عقيدة أهل السنة وعقيدة الخوارج -وهي فرقة من فرق الضلال- حيث يقول أهل السنة: إن المسلم الموحد إن دخل النار فإنما يدخلها للتطهير من خبثه ولا يدخلها للخلود، وإنما يخلد في النار أهل الشرك والكفر، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في حديث أبي ذر الصحيح: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق يا رسول الله؟! قال: وإن زنا وإن سرق وفي الثالثة قال: وإن زنا وإن سرق رغم أنف أبي ذر).
يقول ابن حجر في فتح الباري: والمقصود عند بعض العلماء: أنه يدخل الجنة بعد أن يطهر من ذنوبه في النار.
والمطهرات العشر هي: التوبة النصوح، ثم الاستغفار، ثم الحسنات الماحية، ثم المصائب الدنيوية، ثم سكرات الموت، وضمة القبر، وكرب يوم القيامة، والشفاعات وعلى رأسها شفاعة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم عفو الله عز وجل: {يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:129].
ولذلك قالوا: لا كبيرة إذا قابلك فضله، ولا صغيرة إذا قابلك عدله، والمقصود بهذا: إن فعلت الكبيرة ومت عليها وشاء الله عز وجل أن يعفو عنك عفا عنك، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].
وفي الصحيح: أن رجلاً قبل موته أمر أهله أن يحرقوه، ثم يأتوا بجسده إلى هواء شديد ويضعوا جسده أمام هذا الهواء حتى يوزع في أنحاء الأرض، ففعلوا الوصية، فأمر الله عز وجل ذلك الجسد أن يجمع من كل مكان وقع فيه، ثم سأله: ما الذي حملك على هذا يا عبدي؟! قال: يا رب! استحييت أن أقف بين يديك، وأنا مذنب، فإذا بالله يقول: أشهدكم يا ملائكتي! أني قد غفرت له.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله).
ولا يدخلها إلا برحمة الله وبفضله.
إن الذنوب درن وخبث، وربنا يقول في هذا: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14].
فكل معصية تعصي الله بها تطبع في قلبك نكتة، فإن نظرت إلى امرأة متبرجة نكت في الحال في قلبك نكتة سوداء، وإن فعلت منكراً نكت في قلبك نكتة سوداء، كما قال الحبيب عليه الصلاة والسلام: (حتى تصير القلوب على قلبين: قلب أبيض كالصفاء)، وهو قلب المؤمن كما قال الله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، (وقلب أسود منكوس).
ومرض القلوب أشد على العبد من مرض الأبدان؛ لأن مرض القلب يترتب عليه أن تخسر الآخرة، {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11].
ومرض الدنيا لا يترتب عليه ذلك.