أحبتي الكرام! قام موسى عليه السلام خطيباً في بني إسرائيل يذكرهم، فقام له رجل وقال: يا كليم الله! من أعلم أهل الأرض؟ فقال عليه السلام: أنا، ولم يقل: أنا، والله أعلم، لذلك البخاري أتى بهذا الحديث في كتاب العلم في موضع آخر تحت عنوان: من سئل: أي الناس أعلم عليه أن يقول: الله أعلم.
فقال موسى عليه السلام: أنا، فعتب الله عز وجل عليه؛ إذ لم يرد العلم إليه، وأوحى الله إليه: يا موسى! إن لي عبداً هو أعلم منك.
وفي الحقيقة هذه القصة محور ارتكاز عند أصحاب الفكر الصوفي، ومنها أسسوا نظريات باطلة: النظرية الأولى عند ابن عربي: أن الولي في منزلة أعلى من النبي.
قال: لأن الخضر ولي، وموسى نبي، والولي قد علم النبي، إذاً: مقام الولاية أعلى من مقام النبوة.
أرأيت إلى الشعوذة والدجل في تفضيل الأولياء على الأنبياء.
ولذلك يقول ابن عربي قولته المشهورة: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي يقول ابن كثير وابن حجر وابن تيمية: من قال: إن الولي أفضل من النبي فقد كفر كفراً يخرج من الملة؛ لأن أفضل الأولياء هم الأنبياء، فلا يجوز أن نقول: الولي يعلم النبي، وموسى أفضل من الخضر لا شك في ذلك، والخضر كان نبياً، ولعل ابن حجر في كتابه المختصر (نبأ الخضر) وابن كثير في البداية والنهاية قد برهن على نبوته بأدلة أربعة: الدليل الأول: أنه قال لموسى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82].
الدليل الثاني: أنه أقبل على قتل غلام، ويستحيل لولي أن يقتل نفساً إلا بوحي ظاهر، يعني: ولي يلهم فينادي على غلام فيقتله دون وحي من الله عز وجل هذا لا يمكن أن يكون.
الدليل الثالث: أن موسى نبي معصوم والخضر ولي غير معصوم -على قولهم- فهل يجوز لمعصوم أن يتبع غير معصوم؟
صلى الله عليه وسلم لا؛ لأن موسى قال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} [الكهف:66].
إذاً: موسى نبي معصوم لن يتبع إلا نبياً معصوماً.
الدليل الرابع: أن الله قال: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف:65].
ومن القصة أيضاً استنبطوا ما يسمى: العلم اللدني، أو العلم الباطن، ويدندنون حوله ليل نهار، ويقولون: يا أيها السلف! أنتم لكم العلم الظاهر ونحن أصحاب العلم الباطن، ولا أدري ما معنى العلم الباطن؟ وهل الشريعة جاءت بظاهر وباطن؟ والباطنية فرقة ضالة يحرفون الكلم عن مواضعه، وبلغة الباطن حدث التأويل الفاسد، وفي بعض تفاسير الباطنية: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] أبو بكر، {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس:2] عمر، {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} [الشمس:3] عثمان إلى غير ذلك من الانحراف بالقرآن عن ظاهره.
وأعجب من ذلك أقوام قالوا: إن آية في سورة التوبة قد بينت حادث مبنى التجارة في نيويورك، وهي الآية رقم (110) في سورة التوبة: {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} [التوبة:110]، قالوا: إن الآية (110) والجزء الحادي عشر، والسورة رقم تسعة، والكلمات ألفان وواحد، فما هذا الذي يقولون؟ وهل هذا تفسير أثر عن رسول الله؟! فالقرآن يفسر بالقرآن، ويفسر بقول النبي عليه الصلاة والسلام، ويفسر القرآن بأقوال الصحابة، وبأقوال التابعين، ثم بقواعد اللغة، هذا هو التفسير المأثور، أما التفسير بالإشارة فليس طريقنا، وإنما هو طريق فرق الضلال، فلا ينبغي أبداً، قلت لسائل: هل عدوا بالبدروم، فالبدروم لم يعد، والمبنى (111) بالبدروم، ولو حدثت الواقعة يوم اثني عشر سبتمبر فكيف كنا سنفسر الآية، فاتقوا الله في دين الله؟ وكفاكم هزلاً بكتاب الله رب العالمين؟ أخي الكريم! اقرأ في مقدمة ابن كثير؛ لتعلم منهج السلف في تفسير كتاب رب العالمين.
قال موسى لفتاه يوشع: {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:60]، والسؤال هنا: لم سار موسى تلك المسافات؟ والجواب: لأجل العلم، والعلم من كليم الله الذي قال الله في حقه: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:41]، والذي قال الله في حقه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، ما قال: أنا أرحل لطلب العلم على يد فلان، ولذلك بوب البخاري في كتاب العلم: باب الحياء في العلم، وقال مجاهد: لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر، وأتى بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه لما استحيا أن يسأل النبي عليه الصلاة والسلام وقال: كنت رجلاً مذاءً، يعني: كثير المذي، فأمرت المقداد بن الأسود أن يسأل الن