من خصائص صلاة الجمعة: أنها تصادف ساعة الإجابة التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: (لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه) وهذه نعمة عظيمة، هذه ليست موجودة في صلاة الظهر مثلاً، لكنها في صلاة الجمعة، فأرجى ساعات الجمعة بالإجابة هي وقت الصلاة، وذلك لأمور: أولاً: لأن ذلك جاء في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
وثانياً: أن هذا اجتماع من المسلمين على عبادة واحدة بقيادة واحدة، يعني: إمام واحد، وهذا الاجتماع يكون أقرب إلى الإجابة، ولهذا في يوم عرفة حين اجتمع المسلمون على صعيد عرفة ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا يباهي بهم الملائكة ويجيب دعاءهم، لذلك احرص يا أخي! على الدعاء في هذا الوقت وهو وقت صلاة الجمعة، لكن متى تدخل هذه الساعة ومتى تخرج؟ تدخل من حين أن يدخل الإمام إلى أن تقضى الصلاة، فلننظر الآن متى ندعو، دخل الإمام وسلم وبعد ذلك الأذان؛ الأذان ليس فيه دعاء فيه إجابة للمؤذن، بعد الأذان هناك دعاء، بين الأذان والخطبة هناك دعاء، تقول بعد الأذان: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة والقائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم مقاماً محموداً الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد) .
ثم تدعو بما شئت، ما دام الخطيب لم يشرع في الخطبة فأنت في حل فادع الله بما شئت، كذلك أيضاً بين الخطبتين تدعو الله بما شئت من خيري الدنيا والآخرة، كذلك أيضاً في أثناء الصلاة في السجود: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقرب ما تكون من الرب وأنت ساجد، لماذا؟ لأن هذه الهيئة -أعني هيئة السجود- أكمل ذل للإنسان، أي عضو فيك أشرف؟ الوجه، أين تضعه في السجود؟ في الأرض موطئ الأقدام، فرأسك وجبهتك محاذية أصابع رجليك، بهذا الذل والخضوع العظيم صار الإنسان أقرب ما يكون من ربه جل وعلا؛ لأن من تواضع لله رفعه: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) استغل هذه الفرصة أكثر من الدعاء، بأي شيء تدعو؟ بالذي تريد من خيري الدنيا والآخرة، لو قال الإنسان في دعائه: اللهم ارزقني سيارة جميلة، يصلح؟ يصلح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليسأل أحدكم ربه حتى شراك نعله) حتى شراك النعل، ثم الدعاء نفسه عباده، فإذا دعوت الله بأي غرض، لو قال الطالب وهو في أيام الامتحان: اللهم ارزقني نجاحاً إلى درجة ممتاز، يصلح؟ يصلح، هذا دعاء لله تخاطب الله، والممنوع مخاطبة الآدميين، لكن مخاطبة الله بالدعاء ليست ممنوعة.
ولكن هل هناك محل دعاء ثانٍ في الصلاة؟ بعد التشهد كما في حديث ابن مسعود حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم التشهد ثم قال بعده: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) وكلمة: (ما شاء) عند علماء الأصول تفيد العموم؟ الدليل على أن الاسم الموصول يفيد العموم قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:33] (أولئك هم) هذه جماعة، (والذي) مفرد، فما الذي أوجب أن يخبر عن المفرد بالجماعة؟ الذي أوجب ذلك أن الاسم الموصول يفيد العموم، ومثل ذلك اسم الشرط يفيد العموم، والدليل على هذا قول الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] فهذه تفيد العموم ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الخيل وأثنى عليها وما فيها من الأجر، قالوا: يا رسول الله! فالحمر، قال: (لم ينزل عليَّ فيها إلا هذه الآية الشاذة والفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] * {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:8] ) هذه تعم كل شيء.
إذاً: اسم الموصول يفيد العموم، فقول الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) يفيد عموميتها، وأما قول بعض الفقهاء رحمهم الله: إنه لا يجوز للإنسان أن يدعو في صلاته بشيءٍ من ملاذ الدنيا؛ فإنه قولٌ ضعيف يخالف الحديث، وإذا كان الإنسان في أزمة اقتصادية فإلى من يلجأ؟ إلى الله، يدعو الله عز وجل.
فصار عندنا الآن في ساعة الإجابة وقت صلاة الجمعة عدة مواطن للدعاء، فانتهز الفرصة يا أخي! انتهز الفرصة في الدعاء في صلاة الجمعة لعلك تصادف ساعة الإجابة.
هناك أيضاً ساعة أخرى ترجى فيها الإجابة من نفس اليوم، وهي ما بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، لكن هذا القول أشكل على بعض العلماء وقال: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (وهو قائمٌ يصلي) وبعد العصر لا توجد صلاة، أجاب عنهم العلماء، فقالوا: إن منتظر الصلاة في حكم المصلي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة) .