الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإنه جرت العادة أن يكون بداية اللقاء الكلام على ما تيسر من تفسير ما سمعناه في قراءة المغرب، ولكن نظراً لأن هذه الليلة ليلة الجمعة، ينبغي أن نتكلم عن شيء من خصائص هذا اليوم العظيم.
هذا اليوم العظيم يوم الجمعة يومٌ جعله الله تعالى عيداً للأسبوع، وما طلعت الشمس ولا غربت على يومٍ أفضل من يوم الجمعة باعتبار أيام الأسبوع، وخير يومٍ طلعت عليه الشمس يوم عرفة باعتبار أيام السنة.
هذا اليوم يوم العيد منَّ الله به على هذه الأمة وأضل اليهود والنصارى، فصار لليهود يوم السبت، وصار للنصارى يوم الأحد، وضلوا عن يوم الجمعة الذي فيه ختم الله خلق السماوات والأرض؛ لأن الله تعالى خلقها في ستة أيام أولها الأحد وآخرها الجمعة، وفيه ابتداء خلق آدم؛ خلق الله آدم يوم الجمعة، وفيه أخرج من الجنة وأهبط إلى الأرض، فيكون مبدأ خلق البشر يوم الجمعة، وفيه تقوم الساعة فيكون منتهى الخلق أيضاً يوم الجمعة، فهو يومٌ عظيم، ولهذا اختص بأحكامٍ نذكر منها ما تيسر: من ذلك: أنه اختص بفرض صلاة الجمعة، وهذه الصلاة يشترط فيها الجماعة باتفاق المسلمين، فلا تصح صلاة الجمعة من منفرد، لا في البيت كالمرأة والمريض، ولا في المساجد، بل لابد من الجماعة فيها، فلو قدر أن إنساناً صلى وحده يوم الجمعة، وقال: أريد أن تكون جمعةً، قلنا له: إن صلاتك غير صحيحة، ويجب عليك أن تعيدها، هذه الصلاة لابد فيها من جمع ثلاثة فأكثر، غيرها من الصلاة تنعقد باثنين؛ بإمام ومأموم، أما الجمعة فلابد فيها من الجمع ثلاثة فأكثر، واختلف العلماء رحمهم الله في العدد الذي لابد منه في صلاة الجمعة، فمنهم من قال: أربعون رجلاً، فلو كان هناك قرية صغيرة ليس فيها إلا ثلاثون رجلاً فإنهم لا يقيمون الجمعة؛ لأنه لابد أن يكون العدد أربعين.
وقال بعض العلماء: يكفي اثنا عشر رجلاً؛ لأن الصحابة الذين انفضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأوا التجارة لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلاً، وهذا يدل على أن اثني عشر رجلاً يكفي في عدد الجمعة.
ومنهم من قال: يكفي في عدد الجمعة ثلاثة، فلو فرض أن قرية ليس فيها مستوطنون سوى ثلاثة نفر فإنها تقام الجمعة؛ لأنه يحصل بها الجمع، إمام يخطب، ومؤذنٌ يدعو، ومأموم مجيب، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:9] هذا من المنادي المؤذن، ولابد من خطيب ولابد من مدعو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا} [الجمعة:9] وهذا القول أرجح الأقوال: أنه يكفي في عدد الجمعة ثلاثة، إمامٌ يخطب، ومؤذن يدعو، ومأموم مجيب، فنقول: لو صلى الإنسان غير الجمعة كالظهر مثلاً، لو صلى وحده أتجزئه الصلاة؟
صلى الله عليه وسلم نعم.
تجزئه وتبرأ بها ذمته، لكن إن كان ممن تجب عليه الجماعة كان آثماً، وإن كان ممن لا تجب عليه الجماعة كان غير آثم.