نتكلم الآن بما يسر الله عز وجل من تفسير السورة التي استمعنا إليها في قراءة إمامنا في صلاة المغرب، ألا وهي قول الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:1-4] يقسم الله بالسماء، والسماء هنا يحتمل أن يراد بها كل ما علاك فهو سماء، ويحتمل أن يراد بالسماء: السماوات السبع، فيكون مفرداً أريد به الجنس فيعم كل السماوات، وأيَّاً كان فإن الله تعالى لن يقسم بشيء إلا وهو دليلٌ على آية من آياته عز وجل، فهذه السماوات الواسعة الأرجاء، العالية البناء القوية بناها الله عز وجل، كما قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] ، وقال تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس:5] .
وإياك يا أخي! أن تعتقد أن قوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} أن الله بنى السماء بيده، كلا.
فقد قال الله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11] فالله تعالى خلق السماوات بالكلمة ولا بيده جل وعلا، ولهذا يخطئ من يظن أن قوله: (بأيدٍ) جمع يدٍ، وإنما هي مصدر آد يئيد والمصدر أيد، كباع يبيع والمصدر بيع، ولهذا لم يضفها الله إلى نفسه كما أضافها في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} [يس:71] وعلى هذا فلا يجوز أن نعتقد بأن الله خلق السماء بيده أو بأيديه أبداً، بل أيد مصدر آد يئيد والمصدر أيد، مثل: باع يبيع بيعاً، وكال يكيل كيلاً.
إذاً: هذه السماوات العظيمة جديرة بأن يقسم الله بها حيث قال: (والسماءِ) فالواو هنا حرف قسم، (والطارق) معطوفة على السماء، والمعطوف له حكم المعطوف عليه، وعلى هذا فيكون الله تعالى أقسم على الطارق، وما هو الطارق؟ قال الله عز وجل تفخيماً له: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} يعني: أي شيء أعلمك عن هذا الطارق الذي كان جديراً أن يقسم الله به، ففسره الله بقوله: