فَقَالَ معن: اعطوه ألفا أُخْرَى، فَأَخذهَا الْأَعرَابِي وَقَالَ:
(سَأَلت الله أَن يبقيك ذخْرا ... فَمَا لَك فِي الْبَريَّة نَظِير)
فَقَالَ معن: اعطوه ألفا آخر.
فَقَالَ الْأَعرَابِي: أَيهَا الْأَمِير: مَا جئْتُك إِلَّا مختبرا حلمك لما بَلغنِي عَنهُ، فقد جمع الله فِيك من الْحلم مَا لَو قسم على أهل الأَرْض لكفاهم.
وَمن أوهامهم أَنهم لَا يفرقون بَين الشق (بِفَتْح الشين) ، وَيَعْنِي الصدع، والشق (بخفض الشين) ، وَيَعْنِي الْمَشَقَّة والعنت، فيضعون هَذَا مَكَان ذَاك ويقعون فِي الْوَهم، لِأَن الأول مَأْخُوذ من: شقّ الْجِدَار يشقه شقا، أَي صدعه وَجعل فِيهِ شقوقا.
وَمِنْه قَوْلهم: شقّ الْخَوَارِج عَصا الْمُسلمين، أَي فرقوا جمعهم وكلمتهم، وصدعوا تلاحمهم ووحدتهم.
أما الثَّانِي (بخفض الشين) فمأخوذ من شقّ عَلَيْهِ الْأَمر يشق شقا ومشقة، أَي ثقل وصعب وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {لم تَكُونُوا بالغيه إِلَّا بشق الْأَنْفس} أَي بالتعب والجهد، وَنَظِيره قَول الشَّاعِر:
(وَالْخَيْل قد تجشم أَرْبَابهَا ... الشق، وَقد تعتسف الراوية)
وَمثله من الْفِعْل قَول شوقي:
(لحاها الله أنباء توالت ... على سمع الْوَلِيّ بِمَا يشق)