إنَّ ثُبُوتَ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْمَوْهُوبِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْهِبَةِ أَيْ تَرَتَّبَ حُكْمٌ عَلَى الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ الْمَوْهُوبِ فَلِذَا لَيْسَ لِلْهِبَةِ مِنْ حُكْمٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بَلْ يَبْقَى الْمَالُ الْمَوْهُوبُ مِلْكًا لِلْوَاهِبِ كَمَا كَانَ، وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي صِحَّةِ الْهِبَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ " الْهِدَايَةُ، وَجَوَاهِرُ الْفِقْهِ، وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ.
إنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ رُكْنَ الْعَقْدِ بَلْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ الرُّكْنِ إلَّا أَنَّهُ شَرْطُ ثُبُوتِ الْمِلْكِيَّةِ.
لَيْسَ لِلْهِبَةِ حُكْمٌ قَبْلَ الْقَبْضِ بِصُورَةٍ مُطْلَقَةٍ أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَجْنَبِيًّا أَمْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ: وَبِمَا أَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبْضِ الْكَامِلِ فَبِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ بِالْهِبَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ. مَثَلًا إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ قَائِلًا: قَدْ وَهَبْت مَالِي الْفُلَانِيِّ لِفُلَانٍ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ لَا يُعَدُّ الْوَاهِبُ قَدْ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ قَبَضَ مَالَ الْمَوْهُوبِ " الْأَنْقِرْوِيُّ وَالْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ الْوَاهِبُ بِالْهِبَةِ وَبِالْقَبْضِ مَعًا فَيَثْبُتُ حُصُولُ الْقَبْضِ وَلِذَلِكَ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ قَائِلًا: إنَّك كُنْت وَهَبْتَنِي هَذَا الْمَالَ الَّذِي تَحْتَ يَدِك وَسَلَّمْته لِي وَقَدْ أَقْرَرْت بِقَبْضِي إيَّاهُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الشَّخْصُ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّ الْوَاهِبَ أَقَرَّ بِالْهِبَةِ وَالْقَبْضِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَالْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ وَالصَّدَقَةِ هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا " التَّتَارْخَانِيَّة ".
الْعُقُودُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى الْقَبْضِ: إنَّ الْعُقُودَ الْمَوْقُوفُ تَمَامُهَا عَلَى الْقَبْضِ هِيَ اثْنَا عَشَرَ عَقْدًا وَهِيَ: (1) الْهِبَةُ (2) الصَّدَقَةُ (3) الرَّهْنُ (4) الْعُمْرَى (5) النِّحْلَةُ (6) الصُّلْحُ (بَعْدَ أَقْسَامِهِ) (7) رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ (8) إذَا ظَهَرَ بَعْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ زُيُوفًا قَبَضَ بَدَلَهُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ (9) الصَّرْفُ (10) الْكَيْلُ إذَا بِيعَ بِكَيْلٍ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ قَبَضَ بَدَلَهُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ (11) الْوَزْنُ إذَا بِيعَ بِوَزْنٍ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ قَبَضَ بَدَلَهُ بِمَجْلِسِ الْبَيْعِ (الطَّحْطَاوِيُّ) (12) الْبَيْعُ الْفَاسِدُ اُنْظُرْ الْمَادَّةَ (371) .
الْأَدِلَّةُ عَلَى لُزُومِ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ يُفِيدُ الْمِلْكِيَّةَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمَّا الْهِبَةُ فَلَا يَحْصُلُ فِيهَا حُكْمُ الْمِلْكِيَّةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَثْبُتُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً وَالْمَقْصِدُ فِي ذَلِكَ نَفْيُ الْمِلْكِ " أَبُو السُّعُودِ " أَيْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْهِبَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ إذْ الْجَوَازُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ (الْهِدَايَةُ) .
الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْهِبَةَ تَبَرُّعٌ وَلَا يَتِمُّ التَّبَرُّعُ إلَّا بِالْقَبْضِ حَسَبَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَادَّةِ (57) ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ إجْبَارَ الْمُتَبَرِّعِ شَيْئًا لَمْ يَتَبَرَّعْ عَلَى تَسْلِيمِهِ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْ إنَّ إيجَابَ شَيْءٍ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ أَمْرٌ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ التَّبَرُّعَاتِ " الْفَتْحُ ".