لَوْ أَدَّى خَرَاجَ الْيَتِيمِ أَوْ عَشَرَةً مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَلَوْ كَفَّنَ الْوَصِيُّ الْمَيِّتَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ.
وَمِنْهَا وَصِيٌّ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْبَصَرِ إنْ أَخْبَرَهُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ، وَالْأَمَانَةِ أَنَّهُ بَاعَ بِقِيمَتِهِ وَأَنَّ قِيمَتَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى مَنْ يَزِيدُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُزَايَدَةِ يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ وَفِي السُّوقِ بِأَقَلَّ لَا يَنْتَقِضُ بَيْعُ الْوَصِيِّ لِأَجْلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بَلْ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْبَصَرِ، وَالْأَمَانَةِ فَإِنْ اجْتَمَعَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَوْلُ الْوَاحِدِ يَكْفِي كَمَا فِي التَّزْكِيَةِ وَعَلَى هَذَا أُقِيمَ الْوَقْفُ إذَا آجَرَ مُسْتَغِلُّ الْوَقْفِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَزِيدُ فِي الْأَجْرِ.
وَمِنْهَا وَصِيٌّ بَاعَ تَرِكَتَهُ لِإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ فَجَحَدَ الْمُشْتَرِي فَحَلَّفَهُ الْوَصِيُّ فَحَلَفَ، وَالْوَصِيُّ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي يَمِينِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْوَصِيِّ: إنْ كُنْت صَادِقًا فَقَدْ فَسَخْت الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا بِالْخَطَرِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ كَانَ فَسْخًا بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ كَمَا لَوْ تَقَايَلَا حَقِيقَةً فَإِذَا فَسَخَ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ إقَالَةً فَلَا يَلْزَمُ الْوَصِيَّ.
هَذَا آخِرُ مَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ بِلُطْفِهِ مِنْ شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ الْمُسَمَّى بِدُرَرِ الْحُكَّامِ حَيْثُ وَفَّقَنِي لِجَمْعِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَعَلَى أَحْسَنِ الصُّوَرِ لِتَصْوِيرِهِ حَاوِيًا لِمُهِمَّاتٍ خَلَتْ عَنْهَا الْكُتُبُ الْمَشْهُورَةُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ مَسْطُورَةً وَلَقَدْ بَذَلْت مَجْهُودِي فِي التَّنْفِيرِ، وَالتَّنْقِيحِ، وَالتَّهْذِيبِ، وَالتَّوْضِيحِ وَتَتَبُّعِ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْكِرَامِ وَاسْتِطْلَاعِ آرَاءِ فُضَلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْعِظَامِ حَتَّى عَثَرْت عَلَى مَا صَدَرَ عَنْ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ مِنْ الْعَثَرَاتِ عَلَى مُقْتَضَى الْبَشَرِيَّةِ وَوَقَفْت عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْأَمَاثِلِ مِنْ زَلَّاتٍ لَيْسَ نَفْسُ الْإِنْسَانِ عَنْهَا عَرِيَّةً وَلَا عَتْبَ فَإِنَّ سَائِرَ الْعُلُومِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْعِلْمِ كَنِسْبَةِ الْقَطْرَةِ إلَى الْبَحْرِ الْمُتَلَاطِمِ الْأَمْوَاجِ لَا يَغُوصُ عَلَى فَرَائِدِهِ كُلُّ غَوَّاصٍ قَوِيٍّ فَضْلًا عَنْ الزَّجَّاجِ وَلِذَا تَرَى الْعُلَمَاءَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ كَمَالِهِمْ فِي الْفُنُونِ الْآلِيَّةِ وَتَصْنِيفِهِمْ فِيهَا كُتُبًا مُعْتَبَرَةً لَمْ يَحُومُوا حَوْلَ هَذَا الْعِلْمِ وَلَمْ يُصَنِّفُوا فِيهِ وَلَوْ رِسَالَةً مُخْتَصَرَةً وَهَذَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ الْغَنِيِّ مَعَ مُطَارَحَتِهِ مَعَهُمْ فِي تَصَانِيفِهِمْ فِيمَا انْتَسَبُوا إلَيْهِ وَمُعَارَضَتِهِ إيَّاهُمْ فِي مُؤَلَّفَاتِهِمْ فِيمَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ بِحَيْثُ قَبِلَهَا عُلَمَاءُ الْعَصْرِ وَفُضَلَاءُ الدَّهْرِ امْتَازَ عَنْهُمْ بِكَتْبِ هَذَا الْمَتْنِ اللَّطِيفِ الْمَشْحُونِ بِالْفَوَائِدِ، وَالشَّرْحِ الشَّرِيفِ الْمَمْلُوءِ بِالْفَرَائِدِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ وَأَعَانَنَا عَلَيْهِ وَمَا كُنَّا نَقْدِرُ عَلَيْهِ لَوْلَا أَنْ أَعَانَنَا اللَّهُ وَلَيْسَ الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ التَّمَدُّحَ بَلْ الِامْتِثَالُ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] وَقَدْ وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ تَأْلِيفِهِ يَوْمَ السَّبْتِ الثَّانِي مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَ الْبُدَاءَةُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ عَلَى يَدِ أَضْعَفِ عِبَادِ اللَّه تَعَالَى وَأَحْوَجِهِمْ إلَى رَحْمَتِهِ مُؤَلَّفِ الْكِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَامُرْزِ بْنِ عَلِيٍّ عَامَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِلُطْفِهِ الْخَفِيِّ، وَالْجَلِيِّ آمِينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَمِنْهَا وَصِيٌّ بَاعَ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ لِإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ فَجَحَدَ الْمُشْتَرِي) أَيْ جَحَدَ الشِّرَاءَ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فَسَخْتُ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا) عِبَارَةُ الْقَاضِي بَيْنَكُمَا (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ كَمَا لَوْ تَقَابَلَا حَقِيقَةً) أَقُولُ عَلَى هَذَا تَكُونُ الْإِقَالَةُ فَسْخًا بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ ثَالِثِ هُوَ الْيَتِيمُ فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ الثَّمَنُ، وَالْمَبِيعُ لَهُ فَيُفِيدُ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ.
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ خِلَافُهُ قَالَ فِي صُلْحِ الْمَبْسُوطِ: وَأَمَّا إقَالَتُهُ فَتَجُوزُ لِأَنَّهَا كَالشِّرَاءِ.
وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ الْوَصِيُّ أَوْ الْمُتَوَلِّي إذَا بَاعَ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِلصَّغِيرِ ثُمَّ أَقَالَ إنْ كَانَ فِي الْإِقَالَةِ نَظَرٌ لِلْيَتِيمِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
قُلْت فَاَلَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الدُّرَرِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِقَالَةِ نَفْعٌ لِلْيَتِيمِ وَإِذَا انْتَفَى النَّفْعُ يَصِيرُ الْمَبِيعُ لَهُ وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْيَتِيمِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ لِلْيَتِيمِ وَتَفْسِيرُ الْخَيْرِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشْرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ مَالَ نَفْسِهِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ فَهُوَ خَيْرٌ، وَبِمَا فَوْقَهَا لَا وَهَذَا يُحْفَظُ وَبِهِ يُفْتَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ