حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمُلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَلَهُ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ فَتَصِحُّ كَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِ نَفْسِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَإِنَّ الصِّغَارَ، وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَكِنْ لَمَّا أَقَامَهُ أَبُوهُمْ مَقَامَ نَفْسِهِ صَارَ مُسْتَبِدًّا بِالتَّصَرُّفِ مِثْلَهُ بِلَا وِلَايَةٍ لَهُمْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ لِأَنَّهُ يَبِيعُ نَصِيبَهُ أَوْ يَمْنَعُهُ فَيَعْجَزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْأَدَاءِ بِحَقِّهِ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ.
(وَ) أَوْصَى (إلَى عَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا) أَيْ بِالْوِصَايَةِ لَمْ يَعْزِلْهُ الْقَاضِي بَلْ (ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ) لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقَّ الْمُوصِي وَحَقَّ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
(وَيُبْقَى عَلَى الْوِصَايَةِ أَمِينٌ يَقْدِرُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ دُونَهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِ الْمَيِّتِ مَعَ كَمَالِ شَفَقَتِهِ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى.
(وَ) أَوْصَى (إلَى اثْنَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا) بِالتَّصَرُّفِ بِدُونِ الْآخَرِ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ أَيْ وَلَوْ كَانَ إيصَاؤُهُ (إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالِانْفِرَادِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا فِي أَشْيَاءَ سَتُبَيَّنُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَصَرَّفُ كُلٌّ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَهِيَ إذَا ثَبَتَتْ لِاثْنَيْنِ شَرْعًا ثَبَتَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا عَلَى الِانْفِرَادِ كَالْأَخَوَيْنِ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَتْ شَرْطًا فَإِنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ لِكَوْنِهَا عِبَارَةً عَنْ الْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْقُدْرَةُ لَا تَتَجَزَّأُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُوصِيَ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا رَأْيِ أَحَدِهِمَا لِفَرْقٍ بَيِّنٍ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ السَّبَبَ ثَمَّةَ الْإِخْوَةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِكُلٍّ مِنْهَا عَلَى الْكَمَالِ، وَالسَّبَبُ هُنَا الْإِيصَاءُ وَهُوَ إلَيْهِمَا لَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِهِ (إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنِهِ وَتَجْهِيزِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَبْتَنِي عَلَى الْوِلَايَةِ وَرُبَّمَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَفِي اشْتِرَاطِ اجْتِمَاعِهِمَا فَسَادُ الْمَيِّتِ وَلَوْ فَعَلَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جِيرَانُهُ جَازَ (وَالْخُصُومَةُ فِي حُقُوقِهِ) لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهِ عَادَةً وَلَوْ اجْتَمَعَا لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا أَحَدُهُمَا غَالِبًا (وَشِرَاءُ حَاجَةِ الطِّفْلِ) لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ خَوْفَ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ (وَالِاتِّهَابُ لَهُ) أَيْ قَبُولُ الْهِبَةِ لِلطِّفْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ (وَإِعْتَاقُ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَرَدُّ وَدِيعَةٍ وَتَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَتَيْنِ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الرَّأْيِ وَبَيْعُ مَا يَخَافُ تَلَفُهُ وَجَمْعُ أَمْوَالٍ ضَائِعَةٍ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً.
(وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ أَوْصَى إلَى الْحَيِّ أَوْ إلَى آخِرِهِ فَلَهُ) أَيْ لِمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ سَوَاءٌ كَانَ الْحَيَّ أَوْ آخَرَ (التَّصَرُّفُ) فِي التَّرِكَةِ (وَحْدَهُ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ الْقَاضِي وَصِيًّا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ الْوَصِيُّ (ضَمَّ) أَيْ الْقَاضِي (إلَيْهِ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ وَصِيَّانِ مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ وَأَمْكَنَ تَحْقِيقُهُ بِنَصِيبِ وَصِيٍّ آخَرَ.
(نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا أَمِينًا كَافِيًا لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِهِ) لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ عَدْلًا (فَيَعْزِلُهُ وَيَنْصِبُ عَدْلًا وَلَوْ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ ضَمَّ إلَيْهِ كَافِيًا وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ قِيلَ) قَائِلُهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي مَجْمُوعَاتِهِ (وَيَنْعَزِلُ بِهِ أَيْضًا) أَيْ بِعَزْلِ الْقَاضِي (الْعَدْلُ الْكَافِي وَاسْتُبْعِدَ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا) هُوَ الْقِيَاسُ وَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ فَلَا يُجِيبُهُ. . . إلَخْ) كَذَا إذَا شَكَا الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ لِأَنَّ الْمُوصِيَ اخْتَارَهُ، وَالشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ ظَالِمًا فِي شَكْوَاهُ كَذَا فِي الْكَافِي
(قَوْلُهُ: وَيُبْقَى عَلَى الْوِصَايَةِ أَمِينٌ) يُبْقَى مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَأَمِينٌ نَائِبُ الْفَاعِلِ
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ يَتَصَرَّفُ كُلٌّ فِي الْجَمِيعِ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَيْسَانِيُّ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الصَّفَّارِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ.
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنِهِ. . . إلَخْ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى ذَلِكَ رُدَّ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَحِفْظُ الْمَالِ فَيَنْفَرِدُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا
(قَوْلُهُ: وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ) أَيْ يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ الْكَافِي الَّذِي نَصَبَهُ الْقَاضِي بِعَزْلِهِ وَهَذَا قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْجَازِمِ بِعَدَمِ عَزْلِ الْعَدْلِ الْكَافِي وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيَانُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُذْكَرْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّنَاقُضَ بِلَا وَجْهٍ لَهُ (قَوْلُهُ: وَيَنْعَزِلُ بِهِ أَيْضًا أَيْ بِعَزْلِ الْقَاضِي الْعَدْلِ الْكَافِي) أَقُولُ يَعْنِي يَنْعَزِلُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ بِعَزْلِ الْقَاضِي لَهُ كَعَزْلِهِ مَنْصُوبُهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا وَإِنْ كَانَ يَخْفَى عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ مَتْنِهِ فَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الشَّرْحِ بِقَوْلِهِ اسْتَبْعَدَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ بِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ