أَبِي يُوسُفَ لَهُمَا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَخْذِ الثُّلُثِ) كَمَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ) فَأَيُّهُمَا شَاءُوا أَعْطَوْا لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ كَذَا فِي الْكَافِي.
(فَصْلٌ) (وَصَايَا الذِّمِّيِّ) عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّهَا (إمَّا بِمَعْصِيَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا لِلْمُغَنِّيَاتِ، وَالنَّائِحَاتِ فَتَصِحُّ) لَوْ كَانَتْ (لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ تَمْلِيكًا مِنْ الثُّلُثِ) فَإِنَّهُمْ لَمَّا تَعَيَّنُوا جَازَ تَمْلِيكُهُمْ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُعَيَّنِينَ (فَلَا) أَيْ لَا تَصِحُّ أَصْلًا أَمَّا تَمْلِيكًا فَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ لِلْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَأَمَّا قُرْبَةً فَلِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ فَكَيْفَ تَصِحُّ قُرْبَةً (وَأَمَّا بِمَعْصِيَةٍ عِنْدَهُمْ وَقُرْبَةٍ عِنْدَنَا كَجَعْلِ دَارِهِ مَسْجِدًا أَوْ الْإِسْرَاجِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا تَصِحُّ اتِّفَاقًا) اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ لِأَنَّا نَعْمَلُ مَعَهُمْ بِدِيَانَتِهِمْ (إلَّا أَنْ تَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيُنِهِمْ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ تَمْلِيكًا مِنْهُمْ وَذِكْرُ الْجِهَةِ مَشُورَةٌ (وَإِمَّا بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَجَعْلِ ثُلُثِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ أَوْ الْإِسْرَاجِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَتَصِحُّ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الدِّيَانَةَ مُتَّفِقَةٌ مِنْ الْكُلِّ (وَإِمَّا بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ وَمَعْصِيَةٍ عِنْدَنَا كَجَعْلِ دَارِهِ بِيعَةً) لِلْيَهُودِ (أَوْ كَنِيسَةً) لِلنَّصَارَى (أَوْ بَيْتَ نَارٍ) لِلْمَجُوسِ (فَتَصِحُّ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَيَّنَ قَوْمًا أَوْ لَا (وَعِنْدَهُمَا لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ يُوصَى (لِمُعَيَّنِينَ) لَهُمَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْمَعْصِيَةِ وَفِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرٌ لِلْمَعْصِيَةِ، وَالسَّبِيلُ فِي الْمَعْصِيَةِ رَدُّهَا لَا تَنْفِيذُهَا وَلَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دِيَانَتُهُمْ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَهِيَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَتَصِحُّ.
(وَتُورَثُ) أَيْ الْبِيعَةُ، وَالْكَنِيسَةُ وَبَيْتُ النَّارِ (إنْ صُنِعَتْ فِي الصِّحَّةِ) يَعْنِي إذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ بِيعَةً أَوْ نَصْرَانِيٌّ كَنِيسَةً وَمَجُوسِيٌّ بَيْتَ نَارٍ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَلَا يَلْزَمُ مَا لَمْ يُسَجَّلْ فَكَذَا هَذَا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ فَلَا تَصِحُّ.
(وَذُو هَوًى) أَيْ مَنْ يَتَّبِعُ هَوَى نَفْسِهِ مَيْلًا إلَى الْبِدَعِ (إنْ أُكْفِرَ) أَيْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ كَطَائِفَةٍ مِنْهُمْ يَقُولُونَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ (فَكَالْمُرْتَدِّ) فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، وَفِي الْمُرْتَدَّةِ الْأَصَحُّ أَنْ تُصَحَّحَ وَصَايَاهَا لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ (فَكَالْمُسْلِمِ فِي وَصَايَاهُ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّاهِرِ.
(تَنْبِيهٌ) : لَمَّا كَانَ هَاهُنَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ فُهِمَتْ مِمَّا سَبَقَ ضِمْنًا وَكَانَ يَجِبُ حِفْظُهَا، وَالِاهْتِمَامُ بِهَا أَصَالَةً لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَغَفْلَةِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ عَنْهَا أَوْرَدَهَا هَاهُنَا، وَصَدَّرَهَا بِالتَّنْبِيهِ إشَارَةً إلَى مَا ذُكِرَ (الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ) : بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا هَذَا الْقَدْرُ مِنْ مَالِي أَوْ ثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ أَوْ أَوْصَيْت هَذَا الْقَدْرَ مِنْ مَالِي أَوْ ثُلُثَ مَالِي (لَا تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ) لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى الْغَنِيِّ حَرَامٌ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (عُمِّمَتْ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُوصِي يَأْكُلُ مِنْهَا الْفَقِيرُ، وَالْغَنِيُّ لِأَنَّ أَكْلَ الْغَنِيِّ مِنْ الْوَصِيَّةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يَصِحُّ إلَّا لِلْمُعَيَّنِ، وَالْغَنِيُّ لَا يُعَيَّنُ وَلَا يُحْصَى.
(وَإِذَا خُصَّتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (بِغَنِيٍّ) بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا هَذَا الْقَدْرُ مِنْ مَالِي أَوْصَيْته لِزَيْدٍ وَهُوَ غَنِيٌّ (أَوْ لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ مَحْصُورِينَ حَلَّتْ لَهُمْ) لِصِحَّةِ التَّمْلِيكِ لَهُمْ لِتَعَيُّنِهِمْ (كَذَا الْحَالُ فِي الْوَقْفِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَقْفَ الْمُطْلَقَ مُخْتَصٌّ بِالْفُقَرَاءِ لَا يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ، وَإِنْ عُمِّمَ وَإِذَا خُصَّ بِغَنِيٍّ مُعَيَّنٍ أَوْ بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ أَغْنِيَاءَ حَلَّ لَهُمْ وَيَمْلِكُونَ مَنَافِعَهُ لَا عَيْنَهُ حَتَّى إذَا مَاتُوا يَتَقَرَّرُ عَيْنُهُ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لِلْمُغَنِّيَاتِ، وَالنَّائِحَاتِ فَتَصِحُّ لَوْ كَانَتْ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ) يَعْنِي وَهُمْ يُحْصُونَ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ) يَعْنِي كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ وَكَذَا الْإِسْرَاجُ يَعْنِي فِي مَسْجِدِ قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ (قَوْلُهُ: وَذِكْرُ الْجِهَةِ مَشُورَةٌ) أَيْ أَنَّ كَلَامَ الْمُوصِي فِي صَرْفِ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ إلَى اسْتِضَاءَةِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهَا خَرَجَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ قَالَ قَاضِي خَانْ فَلَوْ كَانَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ صَحَّتْ وَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْهُمْ وَتَبْطُلُ الْجِهَةُ الَّتِي عَيَّنَهَا إنْ شَاءُوا فَعَلُوا وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: بِيعَةٌ لِلْيَهُودِ أَوْ كَنِيسَةٌ لِلنَّصَارَى) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ شَارِحُهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْبِيعَةَ لِلنَّصَارَى، وَالْكَنِيسَةَ لِلْيَهُودِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَتَصِحُّ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ عَيَّنَ قَوْمًا أَوْ لَا) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ بِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَلَا يَلْزَمُ مَا لَمْ يُسَجَّلْ فَكَذَا هَذَا) فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ اللُّزُومُ بِغَيْرِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا حَصْرَ، وَثَانِيًا فِيهِ إيهَامُ أَنَّهُ إذَا سُجِّلَ صَارَ لَازِمًا كَالْوَقْفِ وَلَيْسَ مُرَادًا لِأَنَّ مَا صَنَعَهُ مِنْ صِحَّتِهِ مِنْ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ أَوْ بَيْتِ نَارٍ يُورَثُ كَالْوَقْفِ الَّذِي لَمْ يُسَجَّلْ وَلَا يَكُونُ كَالْوَقْفِ إذَا سُجِّلَ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ فَلَا تَصِحُّ) مُحَصِّلُ الْخِلَافِ فِي التَّخْرِيجِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَوْرِيثِ مَا بَنَاهُ مِنْ الْبِيعَةِ، وَالْكَنِيسَةِ وَبَيْتِ النَّارِ فِي صِحَّتِهِ
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ) كَذَا فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَعِتْقُهُ وَرَهْنُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ عُقُودُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ وَأَجَازَاهَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ كَمَا يَنْفُذُ مِنْ الصَّحِيحِ حَتَّى تُعْتَبَرَ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنَفَّذُ مِنْ الْمَرِيضِ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ اِ هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ