وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَسْعَ الْعَبْدُ لَهُ فِي شَيْءٍ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَلَيْسَ هُوَ بِوَصِيَّةٍ مِنْ الْمَرِيضِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ أَصْلًا لَكِنَّهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ فَنَقَضْنَاهُ مَعْنًى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ.
(مَاتَ وَتَرَك ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ: لِي عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَ) قَالَ رَجُلٌ (آخَرُ الْأَلْفُ الْمَتْرُوكُ وَدِيعَةٌ لِي وَصَدَّقَهُمَا) أَيْ الِابْنُ (قِيلَ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ) هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ (وَقِيلَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْوَدِيعَةُ أَوْلَى) هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْكَافِي
(بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) (أَقَارِبُهُ) هَذَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي مَحْرَمَاهُ فَصَاعِدًا (وَأَقْرِبَاؤُهُ وَذُو قَرَابَتِهِ وَذُو أَنْسَابِهِ مَحْرَمَاهُ فَصَاعِدًا مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ الْأَقْرَبِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ فَهِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (سِوَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْوَلَدِ) إذْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الْقَرِيبِ وَمَنْ سَمَّى، وَالِدَهُ قَرِيبًا كَانَ عَاقًّا لِأَنَّ الْقَرِيبَ فِي الْعُرْفِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ غَيْرُهُ بِوَاسِطَةِ الْغَيْرِ وَتَقَرُّبُ الْوَالِدِ، وَالْوَلَدِ بِنَفْسِهِمَا لَا بِغَيْرِهِمَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْأَقْرَبِيَّةَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَهِيَ تُعْتَبَرُ فِي الْمِيرَاثِ فَكَذَا فِيهَا، وَالْجَمْعُ الْمَذْكُورُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ الْمَحْرَمِيَّةَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ صِلَةُ الْقَرِيبِ فَيَخْتَصُّ بِهَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الصِّلَةَ مِنْ قَرَابَتِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ، وَالْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّ قَرِيبٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَالْأُمِّ إلَى أَقْصَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي بَلْ ذَكَرَ الْخِلَافَ كَمَا ذُكِرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَارُهُ وَعِبَارَتُهُ كَمَا ذَكَرَهَا الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ قَالَ أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَنْ تَرَكَ عَبْدًا فَقَالَ لِلْوَارِثِ: أَعْتَقَنِي أَبُوك فِي الصِّحَّةِ، وَقَالَ رَجُلٌ: لِي عَلَى أَبِيك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُعْتَقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ، وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتَق دَيْنٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الرَّجُلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، وَقَالَ الْآخَرُ كَانَ لِي عِنْدَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَعِنْدَهُ أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ أَيْ الدَّيْنُ، الْوَدِيعَةُ سَوَاءٌ اهـ.
ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ وَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ نَحْوَ الْمَنْظُومَةِ وَشُرُوحِهَا، وَالْكَافِي ذَكَرُوا الْخِلَافَ عَلَى عَكْسِ مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا يَصِحُّ مَا ذَكَرُوا فِيهِمَا.
وَقَالَ الْأَتْرَازِيُّ: جَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْوَدِيعَةَ أَقْوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَعَلَ الدَّيْنَ، وَالْوَدِيعَةَ سَوَاءً عِنْدَ صَاحِبَيْهِ، وَالْكِبَارُ قَبْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ذَكَرُوا الْخِلَافَ عَلَى عَكْسِ هَذَا ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بَعْدَ ذِكْرِ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ أَوْلَى وَنَقَلَ عَنْ الْمَنْظُومَةِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّقْرِيبِ هَكَذَا وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْمَنْظُومَةِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ، فَقَالَ لَوْ تَرَكَ أَلْفًا وَهَذَا يَدَّعِي دَيْنًا، وَذَاكَ قَالَ هَذَا مُودِعِي، وَالِابْنُ قَدْ صَدَّقَ هَذَيْنِ مَعًا فَاسْتَوَيَا وَأَعْطَيَا مَنْ أَوْدَعَا اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: بَعْدَ ذِكْرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَالْكَيْسَانِيُّ الْوَدِيعَةَ أَقْوَى عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ عَكْسُ مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَذُكِرَ فِي الْمَنْظُومَةِ مَا يُؤَيِّدُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَالْكَيْسَانِيَّ ثُمَّ ذَكَرَ النَّظْمَ وَوَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ وَصَاحِبُ الْكَافِي ضَعَفَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَجُعِلَ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْكَافِي) يَعْنِي النَّسَفِيَّ وَعِبَارَتُهُ وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَعَبْدًا فَقَالَ رَجُلٌ: لِي عَلَى أَبِيك أَلْفٌ دَيْنٌ، وَقَالَ الْعَبْدُ: أَعْتَقَنِي أَبُوك فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ الِابْنُ صَدَقْتُمَا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَيَدْفَعُ الْقِيمَةَ إلَى الْغَرِيمِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا يُعْتَقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا الْأَلْفُ الَّذِي تَرَكَهُ أَبُوك كَانَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَ أَبِيك، وَقَالَ الِابْنُ صَدَقْتُمَا فَعِنْدَهُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ الْوَدِيعَةُ إلَّا، وَالدَّيْنُ ظَاهِرٌ مَعَهَا فَيَتَحَاصَّانِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ الْوَدِيعَةِ، وَقَالَا الْوَدِيعَةُ أَحَقُّ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي عَيْنِ الْمَالِ، وَالدَّيْنُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ أَسْبَقَ فَكَانَ صَاحِبُهَا أَحَقَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوَرِّثُ حَيًّا، وَقَالَ: صَدَقْتُمَا بَعْدَ مَا قَالَا قُلْنَا الْإِقْرَارُ مِنْ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ يَتَنَاوَلُ التَّرِكَةَ لَا الذِّمَّةَ فَقَدْ وَقَعَا بِخِلَافِ الْمُوَرِّثِ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَبِهِ يَنْطِقُ شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحُ الْمَنْظُومَةِ اهـ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ]
(بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) (قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ. . . إلَخْ) غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَتْنِ.
(قَوْلُهُ: سِوَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْوَلَدِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ إيهَامُ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) كَذَا فِي الْكَافِي، وَالتَّبْيِينِ وَرَأَيْت مَعْزُوًّا إلَى الْبَدَائِعِ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.