مِنْ التَّبَرُّعَاتِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ الْمَرَضُ مَرَضَ الْمَوْتِ فَتُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ تَمَامِهَا لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فِي الْفُصُولِ الَّتِي كُلٌّ مِنْهَا مَظِنَّةُ الْهَلَاكِ صَارَ الْمَرَضُ بِمَنْزِلَةِ طَبْعٍ مِنْ طَبَائِعِهِ وَخَرَجَ صَاحِبُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرِيضِ حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ بِالتَّدَاوِي.
(اجْتَمَعَ الْوَصَايَا) وَكَانَ بَعْضُهَا فَرْضًا وَبَعْضُهَا نَفْلًا (وَضَاقَ الثُّلُثُ فَفِي الْفَرْضِ، وَالنَّفَلِ قُدِّمَ الْفَرْضُ) سَوَاءٌ قَدَّمَهُ الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهُ كَالْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَهَمُّ (وَإِنْ تَسَاوَتْ) فِي الْقُوَّةِ (قَدَّمَ مَا قَدَّمَ) أَيْ الْمُوصَى فِي الذِّكْرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ، وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَلَوْ نَصَّ عَلَى تَقْدِيمِ مَا بَدَأَ بِهِ لَزِمَنَا تَقْدِيمُهُ كَذَا هُنَا أَوْصَى بِحَجٍّ حُجَّ عَنْهُ رَاكِبًا مِنْ بَلْدَةٍ إنْ كَفَى نَفَقَتَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ وَلَهَا يَعْتَبِرُ فِيهِ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ بَلَدِهِ، وَالْوَصِيَّةِ لِأَدَاءِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَيَحُجُّ رَاكِبًا إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكْفِ (فَمِنْ حَيْثُ تَكْفِي) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحُجَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالْحَجِّ بِصِفَةٍ وَقَدْ عُدِمَتْ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ غَرَضَهُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فَتَنْفُذُ مَا أَمْكَنَ.
(مَاتَ حَاجٌّ فِي طَرِيقِهِ وَأَوْصَى بِهِ) أَيْ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ (يَحُجُّ كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كُفِيَ نَفَقَتَهُ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ تَكْفِي، وَقَالَا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ، وَأَمَّا مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ فَيَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
(أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ) اسْتِحْسَانًا (وَإِنْ لَمْ يُهْلِكْ شَيْءٌ حَجَّ بِهَا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ رُدَّ عَلَى الْوَارِثِ) لِأَنَّ التَّرِكَةَ حَقُّ الْوَرَثَةِ إلَّا مَا اُشْتُغِلَ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ عَنْهُ) أَيْ بِهَذِهِ الْمِائَةِ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ (حَيْثُ لَمْ يُعْتَقْ بِالْبَاقِي) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا وَجَبَتْ لِمُسْتَحِقٍّ لَمْ يَصِحَّ تَنْفِيذُهَا لِغَيْرِهِ وَهَاهُنَا أَوْصَى بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يَشْتَرِي بِمَا سُمِّيَ فَلَمْ يَصِحَّ تَنْفِيذُهَا فِي عَبْدٍ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ فَكَانَ فِيهِ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ، وَذَا لَا يَجُوزُ.
(أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِكُلِّ مَالِهِ عَبْدٌ فَيُعْتَقُ عَنْهُ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ) بَطَلَتْ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى بِالْكُلِّ مُغَايِرٌ لِمَا يُشْتَرَى بِالثُّلُثِ.
(كَذَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ عَبْدٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَزَادَ الْأَلْفُ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ تَجُزْ) لِلتَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا
(بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ) (أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَلَهُمْ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالثُّلُثُ يَضِيقُ عَنْ حَقِّهِمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا.
(وَلَوْ) أَوْصَى (لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِكُلِّهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ الثُّلُثُ يُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا (وَعِنْدَهُمَا يُرَبَّعُ) أَيْ يُجْعَلُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ ثَلَاثَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ وَوَاحِدٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ إنَّمَا يَبْطُلُ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ حَقًّا عَلَى الْوَارِثِ لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَأْخُذُ مِنْ الثُّلُثِ بِحِصَّتِهِ ذَلِكَ الزَّائِدَ إذْ لَا مُوجِبَ لِإِبْطَالِ هَذَا الْمَعْنَى فَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ فَالثُّلُثُ وَاحِدٌ، وَالْكُلُّ ثَلَاثَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِكُلِّهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ الثُّلُثُ يُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا) وَيَكُونُ تَصْحِيحُهَا مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ أَصْلَهَا ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ لِلْمُوصَى لَهُمَا لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِمَا فَيُضْرَبُ اثْنَانِ فِي أَصْلِهَا تَبْلُغُ سِتَّةً ثُلُثُهَا اثْنَانِ بَيْنَهُمَا، وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ