قِسْمَةً وَاحِدَةً وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْمَنْزِلَ فَوْقَ الْبَيْتِ وَدُونَ الدَّارِ فَالْتَحَقَتْ الْمَنَازِلُ بِالْبُيُوتِ إذَا كَانَتْ مُتَلَازِقَةً وَبِالدُّورِ إذَا كَانَتْ مُتَبَايِنَةً، وَقَالَا فِي الْفُصُولِ كُلُّهَا يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى أَعْدَلِ الْوُجُوهِ وَيَمْضِي بِهَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا الدُّورُ، وَالضَّيْعَةُ أَوْ الدُّورُ، وَالْحَانُوتُ فَيُقْسَمُ كُلٌّ مِنْهَا وَحْدَهَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِسْمَةِ وَبَيَانِ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ، فَقَالَ (وَيُصَوِّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُ) أَيْ يَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ عَلَى الْقِرْطَاسِ لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ (وَيَعْدِلُهُ) أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ (وَيَذْرَعُهُ) لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ (وَيُقَوِّمَ بِنَاءَهُ) إذْ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِالْآخِرَةِ (وَيُفْرِزُ كُلَّ قِسْمٍ بِطَرِيقِهِ) أَيْ يُمَيِّزُهُ عَنْ الْبَاقِي بِطَرِيقَةٍ (وَشِرْبِهِ) لِئَلَّا يَكُونَ لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى التَّمْيِيزِ، وَالْإِفْرَازِ عَلَى الْكَمَالِ.
(فَإِذَا كَانَ) أَيْ مَا يَقْسِمُ (بَيْنَ جَمَاعَةٍ لَهُمْ سُدُسٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ مَثَلًا يَجْعَلُهُ) أَيْ يَجْعَلُ مَا يَقْسِمُ (سِتَّةَ أَسْهُمٍ وَيُلَقِّبُ الْأَوَّلَ بِالسَّهْمِ الْأَوَّلِ وَمَا يَلِيهِ بِالثَّانِي، وَالثَّالِثَ إلَى السَّادِسِ وَيَكْتُبُ أَسَامِيَهُمْ وَيَجْعَلُهَا قُرْعَةً فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ السُّدُسِ أَخَذَ حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَمَا يَلِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ النِّصْفِ أَخَذَهُ وَاَلَّذِينَ يَلِيَانِهِ وَلَا يُدْخِلُ دَرَاهِمَ لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِرِضَاهُمْ) صُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَأَرَادُوا قِسْمَتَهَا وَفِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلُ بِنَاءٍ فَأَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَكُونَ عِوَضُ الْبِنَاءِ دَرَاهِمَ، وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ عِوَضَ الْبِنَاءِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يُكَلِّفُ الَّذِي وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَنْ يَرُدَّ بِإِزَاءِ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ لِلْقَاضِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ، وَالشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فِي الدَّارِ لَا فِي الدَّرَاهِمِ فَلَا يَجُوزُ قِسْمَةُ مَا لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ (فَإِنْ وَقَعَ مَسِيلٌ قَسَمَ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: وَيَفْرِزُ كُلَّ قِسْمٍ بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ مُتَمِّمَاتِ الْأَوَّلِ (أَوْ طَرِيقُهُ فِي قَسْمٍ الْآخَرِ بِلَا شَرْطٍ فِيهَا) أَيْ فِي الْقِسْمَةِ (صَرْفٌ) أَيْ الْمَسِيلِ أَوْ الطَّرِيقِ (عَنْهُ) إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ (إنْ أَمْكَنَ) لِيَحْصُلَ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ قَطْعُ الشَّرِكَةِ وَتَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا ضَرَرٍ (وَإِلَّا فُسِخَتْ) أَيْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَحْصُلْ فَتُفْسَخُ وَتُسْتَأْنَفُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَجْعَلَ مَسِيلًا أَوْ طَرِيقًا.
(جَازَ شَهَادَةُ الْقَاسِمِينَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ) فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَا فِي الْفُصُولِ كُلُّهَا يَنْظُرُ الْقَاضِي) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: هَذَا إذَا كَانَتْ الدُّورُ كُلُّهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي مِصْرَيْنِ لَا يُقْسَمُ عَلَى هَذَا بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا رَوَاهُ هِلَالٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُقْسَمُ
[كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ]
(قَوْلُهُ: وَيُصَوَّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُ) هُوَ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى قِرْطَاسٍ أَنَّ فُلَانًا نَصِيبُهُ كَذَا وَفُلَانًا كَذَا (قَوْلُهُ: وَيَعْدِلُهُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَرُوِيَ يَعْزِلُهُ بِالزَّايِ أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَيَذْرَعُهُ) شَامِلٌ لِلْبِنَاءِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَذْرَعُهُ وَيُقَوَّمُ الْبِنَاءُ لِأَنَّ قَدْرَ الْمِسَاحَةِ يُعْرَفُ بِالذَّرْعِ، وَالْمَالِيَّةِ بِالتَّقْوِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا لِيُمْكِنَهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيمِ الْأَرْضِ وَذَرْعِ الْبِنَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُفْرِزُ كُلَّ قِسْمٍ) بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ فَإِنْ لَمْ يُفْرِزْهُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ أَيْ مَا يَقْسِمُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ. . . إلَخْ) أَصْلُ هَذَا أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ فَيَجْعَلُهَا مِنْ جِنْسِهِ حَتَّى إذَا كَانَ الْأَقَلُّ ثُلُثًا جَعَلَهَا أَثْلَاثًا أَوْ رُبُعًا جَعَلَهَا أَرْبَاعًا وَهَكَذَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَمَا يَلِيهِ) ثُمَّ إذَا خَرَجَ عَقِبُهُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَ الثَّالِثُ وَتَعَيَّنَ مَا بَقِيَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَوْ النِّصْفُ أَخَذَهُ إلَى الْخَامِسِ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ السُّدُسِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُدْخِلُ دَرَاهِمَ لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِرِضَاهُمْ) كَوْنُ الدَّرَاهِمِ لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ غَيْرُ مُحْتَرَزٍ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَتْ مِنْ التَّرِكَةِ إذْ لَا يَدْخُلُهَا مُطْلَقًا فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِرِضَاهُمْ فَلَوْ قَالَ كَالْكَنْزِ: وَلَا يُدْخِلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمَ إلَّا بِرِضَاهُمْ لَكَانَ أَوْلَى وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ لَهُ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ لَا يُدْخِلُ الدَّرَاهِمَ يُرِيدُ إذَا أَمْكَنَتْهُ الْقِسْمَةُ بِدُونِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ عَدْلُ أَضْعَفِ الْأَنْصِبَاءِ بِالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يُدْخِلَ الدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ وَتَرْكُهُ أَوْلَى.
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُدْخِلَ فِي قِسْمَةِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا الدَّرَاهِمَ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ الْقِسْمَةُ إلَّا كَذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقِسْمَةِ الْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ وَلَا شَرِكَةَ فِي الدَّرَاهِمِ فَلَا يُدْخِلُهَا فِي الْقِسْمَةِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ: بِلَا شَرْطٍ فِيهَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ شَرَطُوا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ فَهُوَ لَهُ بِحُقُوقِهِ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ وَتَرَكَ الطَّرِيقَ، وَالْمَسِيلَ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حَقًّا لَهُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
(قَوْلُهُ: جَازَ شَهَادَةُ الْقَاسِمِينَ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ شَهَادَةِ قَاسِمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَقَاسِمِينَ فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَذَلِكَ بِأَنْ أَنْكَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ اسْتِيفَاءَ نَصِيبِهِ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ قُبِلَتْ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَسَمَا بِأَجْرٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ