وَكَذَا الْخُصُومُ تَرَكُوهُ فِي يَدِهِ فِي عَمَلِهِ وَقَدْ انْتَقَلَ الْعَمَلُ إلَى غَيْرِهِ (وَأَلْزَمَ مَحْبُوسًا أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ قَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) يَعْنِي نَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ أَنْكَرَ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ
(وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ الْمَعْزُولِ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَشَهَادَةُ الْوَاحِدِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهِمْ بَيِّنَةً (نَادَى عَلَيْهِ) أَيْ لَمْ يُعَجِّلْ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يُنَادِيَ عَلَيْهِ أَيْ يَأْمُرَ مُنَادِيًا يُنَادِي كُلَّ يَوْمٍ إذَا جَلَسَ مَنْ كَانَ يَطْلُبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْمَحْبُوسَ الْفُلَانِيَّ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ خَصْمٌ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ (وَخَلَّاهُ) أَيْ أَطْلَقَهُ (وَنَظَرَ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ) الَّتِي وَضَعَهَا الْمَعْزُولُ فِي أَيْدِي الْأُمَنَاءِ (وَعَمِلَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ إقْرَارِ ذِي الْيَدِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ (لَا بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ) لِمَا مَرَّ (إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ) إذْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْقَاضِي فَيَصِحُّ إقْرَارُ الْقَاضِي كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ مَالٌ إذَا أَقَرَّ بِهِ لِإِنْسَانٍ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ
(وَجَلَسَ لِلْحُكْمِ فِي مَسْجِدٍ وَالْجَامِعُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَشْهَرُ مَوَاضِعِ الْبَلْدَةِ (أَوْ) جَلَسَ (فِي دَارِهِ وَأَذِنَ) لِلنَّاسِ (بِالدُّخُولِ فِيهَا وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ قَبْلُ) لِأَنَّ الْجُلُوسَ فِي دَارِهِ وَحْدَهُ يُوَرِّثُ التُّهْمَةَ (وَرَدَّ) أَيْ لَمْ يَقْبَلْ (هَدِيَّةً) لِأَنَّ قَبُولَهَا يُؤَدِّي إلَى مُرَاعَاةِ الْمُهْدِي (إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ اعْتَادَ مُهَادَاتَهُ) أَيْ لَا يَرُدُّ مِنْهُمَا (قَدْرًا عُهِدَ) أَيْ جَرَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمُهَادَاتِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صِلَةُ الرَّحِمِ وَالثَّانِي لَيْسَ لِلْقَضَاءِ بَلْ جَرَى عَلَى الْعَادَةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا خُصُومَةٌ) إذْ لَوْ كَانَتْ لَكَانَ آكِلًا بِقَضَائِهِ (وَشَهِدَ الْجِنَازَةَ) لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ (لَا الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ) وَهِيَ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضِيفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَتَّخِذُهَا لِأَنَّ الْخَاصَّةَ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْعَامَّةِ (وَيَعُودُ مَرِيضًا) لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ (وَيُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ جُلُوسًا وَإِقْبَالًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ» (وَلَا يُضَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً) لِلتُّهْمَةِ (وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ) لِأَنَّهُ إغْرَاءٌ عَلَى خَصْمِهِ (وَلَا يَمْزَحُ مُطْلَقًا) أَيْ لَا يُمَازِحُهُمَا وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا غَيْرَهُمَا لِأَنَّهُ يُزِيلُ مَهَابَةَ الْقَضَاءِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَلَا يَمْزَحُ مَعَهُ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا يَمْزَحُ مَعَهُ وَلَا مَعَ غَيْرِهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً لِلتُّهْمَةِ (وَلَا يُلَقِّنُ الشَّاهِدَ شَهَادَتَهُ) بِأَنْ يَقُولَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ) لَوْ قَالَ يُنَادِي عَلَيْهِ أَيَّامًا كَمَا فَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لَا بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ) أَيْ فَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْقَاضِي إلَّا إذَا بَدَأَ صَاحِبُ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيُسَلَّمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِ الثَّانِي وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ وَجَلَسَ لِلْحُكْمِ فِي مَسْجِدٍ وَالْجَامِعُ أَوْلَى) يَعْنِي إذَا كَانَ وَسَطَ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرَفِ يَخْتَارُ الْجُلُوسَ وَسَطَ الْبَلَدِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْقِدَ فِي الطَّرِيقِ مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَا يَجْلِسُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ التُّهْمَةَ وَإِنْ جَلَسَ وَحْدَهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ قَرِيبًا مِنْهُ لِلْمَشُورَةِ وَكَذَا أَهْلُ الْعَدْلِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَعْوَانِ حَيْثُ يَكُونُونَ بَعِيدًا عَنْهُ لِأَجْلِ الْهَيْبَةِ اهـ.
وَأَطْلَقَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ قَيْدِ الْجَهْلِ فَقَالَ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ يُشَاوِرُهُمْ وَيَسْتَعِينُ بِرَأْيِهِمْ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْلِسَ مَعَهُ مَنْ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ لِيَهْدِيَهُ إلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ إذَا رَجَعَ إلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَاوِرَهُمْ بِحَضْرَةِ النَّاسِ لِإِذْهَابِهِ بِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ وَاتِّهَامِهِ بِالْجَهْلِ وَلَكِنْ يُقِيمُ النَّاسَ ثُمَّ يُشَاوِرُهُمْ أَوْ يَكْتُبُ فِي رُقْعَةٍ أَوْ يُكَلِّمُهُمْ بِلُغَةٍ لَا يَفْهَمُهَا الْخَصْمَانِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ حَصْرٌ بِإِجْلَاسِهِمْ عِنْدَهُ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ الْكَلَامِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَإِنْ كَانَ لَا يُجْلِسُهُمْ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ حَادِثَةٌ بَعَثَ إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ لَا الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ) هَذَا فِي دَعْوَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي دَعْوَةِ الْقَرِيبِ يُجِيبُهَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُجِيبُ الْخَاصَّةَ لِلْقَرِيبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُجِيبُ وَإِنَّمَا لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يَتَّخِذْ الدَّعْوَةَ لِأَجْلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهِدَايَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَجَازَ لَهُ مُحَمَّدٌ حُضُورَ دَعْوَةِ قَرِيبِهِ الْخَاصَّةِ كَالْعَامَّةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعْنَاهُ مِنْهَا لِمَكَانِ التُّهْمَةِ وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ أَنَّ كُلَّ مَا يَمْتَنِعُ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ مِنْ اتِّخَاذِهَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجِيبُ فَهِيَ الْخَاصَّةُ وَإِلَّا فَهِيَ الْعَامَّةُ (قَوْلُهُ وَيَعُودُ مَرِيضًا) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ دَعْوَى وَكَذَا الْجِنَازَةُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُمَازِحُهُمَا. . . إلَخْ) .
أَيْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِ لَا يُكْثِرُ مِنْهُ وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي بَدْئِهِمَا بِالْكَلَامِ وَسُكُوتِهِ إلَى أَنْ يَبْدَأَهُ بِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فِي زَحْمَةٍ بَلْ يَجْعَلُ الرِّجَالَ نَاحِيَةً وَالنِّسَاءَ نَاحِيَةً (قَوْلُهُ وَلَا يُلَقِّنُ الشَّاهِدَ شَهَادَتَهُ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ