فَدَعْ» وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ (وَشَرْطُهَا الْعَقْلُ الْكَامِلُ) بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ (وَالضَّبْطُ) وَهُوَ حُسْنُ السَّمَاعِ وَالْفَهْمِ وَالْحِفْظِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ (وَالْوَلَايَةُ) بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقِنِّ

(وَرُكْنُهَا) الدَّاخِلُ فِي حَقِيقَتِهَا (لَفْظُ أَشْهَدُ) بِمَعْنَى الْخَبَرِ دُونَ الْقَسَمِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ حَتَّى إذَا تُرِكَ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ

(وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمُوجَبِهَا بَعْدَ التَّزْكِيَةِ) وَالْقِيَاسُ يَأْبَى كَوْنَهَا حُجَّةً مُلْزِمَةً لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَلَكِنَّهُ تُرِكَ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ

(وَتَجِبُ) أَيْ الشَّهَادَةُ (بِالطَّلَبِ) أَيْ طَلَبِ الْمُدَّعِي (فِي حَقِّ الْعَبْدِ) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ طَلَبُهُ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَيُشْتَرَطُ طَلَبُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ (إنْ لَمْ يُوجَدْ بَدَلُهُ)

وَلَا يَجُوزُ كِتْمَانُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ فَقُبِلَتْ لَا يَأْثَمُ وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ وَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ يَأْثَمْ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ الْحَقِّ (دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) فَإِنَّهَا تَجِبُ فِيهِ بِلَا طَلَبٍ (كَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ) فَإِنَّ فِيهِمَا تَحْرِيمَ الْفَرْجِ، وَتَرْكُ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا رِضًا بِالْفِسْقِ وَالرِّضَا بِهِ فِسْقٌ (وَسَتْرُهَا فِي الْحُدُودِ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ» وَتَلْقِينُهُ لِلدَّرْءِ بِقَوْلِهِ «لَعَلَّكَ لَمَسْتَهَا أَوْ قَبَّلْتَهَا» آيَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى رُجْحَانِ السَّتْرِ (وَيَقُولُ فِي السَّرِقَةِ أَخَذَ لَا سَرَقَ) إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَرِعَايَةً لِجَانِبِ السَّتْرِ

(وَنِصَابُهَا لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وقَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] .

(وَ) نِصَابُهَا (لِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقَوَدِ رَجُلَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ) لَوْ قَالَ كَالزَّيْلَعِيِّ فَلِهَذَا قَالُوا إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي تُنْبِئُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَالْحِفْظُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ) ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الْحِفْظِ مِنْ وَقْتِ التَّحَمُّلِ إلَى الْأَدَاءِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَلِذَلِكَ قُلْت عَنْهُ الرِّوَايَةُ فِي بَابِ الْإِخْبَارِ وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ وَهَذَا خِلَافُ مَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَشْهَدُ مَنْ رَأَى خُطَّةً وَلَمْ يَذْكُرْهَا حَتَّى يَتَذَكَّرَ. اهـ.

[أَرْكَان الشَّهَادَة]

(قَوْلُهُ وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمُوجَبِهَا بَعْدَ التَّزْكِيَةِ) اشْتِرَاطُ التَّزْكِيَةِ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ رَجَاءِ الصُّلْحِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَاسْتِمْهَالِ الْمُدَّعِي وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي رِيبَةٌ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ

(قَوْلُهُ وَتَجِبُ بِالطَّلَبِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ) كَذَا إنْ وُجِدَ وَلَكِنَّ هَذَا أَسْرَعُ قَبُولًا لَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْحَقِّ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى

(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ كِتْمَانُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] جَرَى عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ أَنَّهُ فِي طَلَبِ إقَامَةِ الشَّهَادَةِ وَمَفْعُولُ وَلَا يَأْبَ مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى أَيْ لَا يَأْبَ إقَامَةَ الشَّهَادَةِ وَإِذَا دُعُوا ظَرْفٌ لِيَأْبَ أَيْ لَا يَمْتَنِعُونَ فِي وَقْتِ دَعْوَتِهِمْ لِأَدَائِهَا وَقَضِيَّةُ مَا قَرَّرَهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ أَنَّ الْآيَةَ فِي الطَّلَبِ لِلتَّحَمُّلِ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى الِامْتِنَاعُ اهـ كَذَا فِي التَّفْسِيرِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدٍ الْكَرْخِيِّ الشَّافِعِيِّ اهـ.

وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي أَوْلَوِيَّةِ امْتِنَاعِ التَّحَمُّلِ كَمَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَا بَأْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَتَحَمُّلِهَا إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَلَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ اهـ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ. . . إلَخْ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ قَالُوا لَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] ثُمَّ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَوْضِعِ الْحَاكِمِ وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَرْكُوبِ فَرَكَّبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِهِ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إكْرَامِ الشُّهُودِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ» وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ وَرَكَّبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ اهـ (قَوْلُهُ وَتَلْقِينُهُ لِلدَّرْءِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّامُ فِي لِلدَّرْءِ لِلتَّعْلِيلِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِيمَا نُقِلَ مِنْ تَلْقِينِ الْمُقِرِّ لِلدَّرْءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ السِّتْرَ أَفْضَلُ

[نصاب الشَّهَادَة]

(قَوْلُهُ وَنِصَابُهَا لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} [النساء: 15] الدَّلِيلُ وَإِنْ كَانَ لِإِثْبَاتِ الزِّنَا فِي جَانِبِ النِّسَاءِ مُثْبِتٌ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لِلرِّجَالِ بِالْمُسَاوَاةِ (قَوْلُهُ وَنِصَابُهَا لِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقَوَدِ رَجُلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] قَالَ الْكَرْخِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ {وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282] اُطْلُبُوا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ أَيْ فَالسِّينُ عَلَى بَابِهَا لِلطَّلَبِ وَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ بِمَعْنَى افْعَلْ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ) لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَهُوَ آيَةُ الْبَدَلِيَّةِ وَشُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتَيْنِ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهَا كَالْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْكَافِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015