عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ شَرَطَ التَّفْصِيلَ وَبَعْضُهُمْ اكْتَفَى بِالْإِجْمَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ ادَّعَى غَصْبَ هَذِهِ الْأَعْيَانِ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى بَيَانُ الْقِيمَةِ لَكِنْ إنْ ادَّعَى أَنَّ الْأَعْيَانَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهَا فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا وَإِنْ قَالَ إنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا وَبَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ عَلَى الْكُلِّ مَرَّةً لِأَنَّ وُجُوبَ التَّحْلِيفِ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَقَدْ صَحَّتْ فَوَجَبَ عَلَى الْكُلِّ مَرَّةً.
(أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ كُنْت كَاذِبًا فِي إقْرَارِي حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا فِيهِ وَلَسْتُ بِمُبْطِلٍ فِي دَعْوَاك عَلَيْهِ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ شَرْعًا كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهِ أَبْعَدُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا الِاسْتِدَانَةَ يَكْتُبُونَ الصَّكَّ قَبْلَ الْأَخْذِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَحْلِفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِدَاعِ وَالْخِيَانَاتِ وَهُوَ يَتَضَرَّرُ وَالْمُدَّعِي لَا يَضُرُّهُ الْيَمِينُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَيُصَارُ إلَيْهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (صَحَّ فِدَاءُ الْيَمِينِ وَالصُّلْحُ مِنْهُ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ مَالًا فَأَنْكَرَ فَاسْتَحْلَفَ فَافْتَدَى يَمِينَهُ بِمَالٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ يَمِينِهِ عَلَى مَالٍ صَحَّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ وَعَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ افْتَدَى يَمِينَهُ بِمَالٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَقَعَ فِي الْقِيلِ وَالْقَالِ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُصَدِّقُ وَبَعْضَهُمْ يُكَذِّبُ فَإِذَا افْتَدَى يَمِينَهُ صَانَ عِرْضَهُ وَهُوَ حَسَنٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذُبُّوا عَنْ أَعْرَاضِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ» (وَلَا يَحْلِفُ بَعْدَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ خُصُومَتَهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا حَيْثُ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ
(بَابُ التَّحَالُفِ)
(اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (فِي قَدْرِ الثَّمَنِ) بِأَنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ (أَوْ وَصْفِهِ) بِأَنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بِدَرَاهِمَ رَائِجَةٍ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بِدَرَاهِمَ كَاسِدَةٍ (أَوْ جِنْسِهِ) بِأَنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بِالدَّنَانِيرِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بِالدَّرَاهِمِ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ) بِأَنْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْهُ (حُكِمَ لِمَنْ بَرْهَنَ) أَيْ أَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ حُكِمَ لَهُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ فَبَقِيَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى لِأَنَّهَا تُلْزِمُ عَلَى الْقَاضِي الْحُكْمَ وَالدَّعْوَى لَا تُلْزِمُ (وَإِنْ بَرْهَنَا حُكِمَ لِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ) لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ وَمُثْبِتُ الْأَقَلِّ لَا يُعَارِضُ مُثْبِتَ الْأَكْثَرِ (وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا) أَيْ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت الْعَبْدَ الْوَاحِدَ بِأَلْفَيْنِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا بَلْ بِعْت الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ (فَحُجَّةُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَوْلَى) لِأَنَّ حُجَّةَ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَحُجَّةَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا (وَإِنْ عَجَزَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ وَقِيلَ لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) يَعْنِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ. . . إلَخْ) تَمَامُهُ وَلَمَّا افْتَدَى قِيلَ أَلَا تَحْلِفَ وَأَنْتَ صَادِقٌ فَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدَرٌ يَمِينِي فَيُقَالُ هَذَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ الْكَاذِبَةِ (قَوْلُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) كَذَا قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إيَّاكَ وَمَا يَقَعُ عِنْدَ النَّاسِ إنْكَارُهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ
(بَابُ التَّحَالُفِ)