لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ غَابَ الْبَائِعُ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي خَصْمًا لِلْغَرِيمِ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ.
(اشْتَرَى عَبْدٌ وَبَاعَ سَاكِتًا عَنْ إذْنِهِ وَحَجْرِهِ فَهُوَ مَأْذُونٌ) يَعْنِي أَنَّ عَبْدًا إذَا قَدِمَ مِصْرًا فَبَاعَ وَاشْتَرَى فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَذِنَ لَهُ فَيُصَدَّقُ اسْتِحْسَانًا عَدْلًا كَانَ أَوْ لَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى مِنْهُ، وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» . وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا ذَلِكَ، وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ حُجَّةٌ يَخُصُّ بِهَا الْأَثَرَ وَيَتْرُكُ الْقِيَاسَ فِيهِ وَالنَّظَرَ.
وَثَانِيهِمَا أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَلَا يُخْبِرُ بِشَيْءٍ وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَثْبُتَ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاحِ مَا أَمْكَنَ، وَلَا يَثْبُتُ الْجَوَازُ إلَّا بِالْإِذْنِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ
، وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ
(وَلَا يُبَاعُ لِدَيْنِهِ إلَّا إذَا أَقَرَّ مَوْلَاهُ بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ رِضًا بِبَيْعِ رَقَبَةِ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ (أَوْ أَثْبَتَهُ) أَيْ الْإِذْنَ (الْغَرِيمُ) يَعْنِي إنْ قَالَ الْمَوْلَى هُوَ مَحْجُورٌ، فَالْقَوْلُ لَهُ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ فَلَا يُبَاعُ إلَّا إذَا أَثْبَتَ الْغَرِيمُ إذْنَهُ فَحِينَئِذٍ يُبَاعُ.
. (وَ) النَّوْعُ الثَّانِي (إذْنُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ) الْعَتَهُ اخْتِلَالٌ فِي الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ فَيَشْتَبِهُ تَارَةً بِكَلَامِ الْعُقَلَاءِ وَالْأُخْرَى بِكَلَامِ الْمَجَانِينِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ مَعَ الْعَقْلِ (وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِثْبَاتُ الْوِلَايَةِ لَهُمَا، وَتَصَرُّفُهُمَا إنْ نَفَعَ كَالْإِسْلَامِ وَالِاتِّهَابِ صَحَّ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْإِذْنِ، (وَإِنْ ضَرَّ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (إذْنًا بِهِ وَمَا نَفَعَ) تَارَةً (وَضَرَّ) أُخْرَى (كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ صَحَّ بِهِ) أَيْ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ يُشْبِهُ الْبَالِغَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ، وَيُشْبِهُ طِفْلًا لَا عَقْلَ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْخِطَابُ وَفِي عَقْلِهِ قُصُورٌ وَلِلْغَيْرِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَأُلْحِقَ بِالْبَالِغِ فِي النَّافِعِ الْمَحْضِ وَبِالطِّفْلِ فِي الضَّارِّ الْمَحْضِ وَفِي الدَّائِرِ بَيْنَهُمَا بِالطِّفْلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ، وَبِالْبَالِغِ عِنْدَ الْإِذْنِ لِرُجْحَانِ جِهَةِ النَّفْعِ عَلَى الضَّرَرِ بِدَلَالَةِ الْإِذْنِ، وَلَكِنْ قَبْلَ الْإِذْنِ يَكُونُ مُنْعَقِدًا مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِصَيْرُورَتِهِ مُهْتَدِيًا إلَى وُجُوهِ التِّجَارَاتِ حَتَّى وَلَوْ بَلَغَ فَأَجَازَهُ نَفَذَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ، وَقَدْ صَارَ وَلِيًّا بِنَفْسِهِ (وَشَرَطَ لِصِحَّتِهِ) أَيْ الْإِذْنِ (أَنْ يَعْقِلَا الْبَيْعَ سَالِبًا لِلْمِلْكِ) عَنْ الْبَائِعِ (وَالشِّرَاءَ جَالِبًا لَهُ) أَيْ لِلْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي (الْوَلِيُّ الْأَبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْجَدُّ) أَبُو الْأَبِ (ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّهُ) دُونَ الْأُمِّ أَوْ وَصِيِّهَا، وَقَدْ سَبَقَ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ الْوَلِيِّ (وَلَوْ أَقَرَّا) أَيْ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ (لِإِنْسَانٍ بِمَا مَعَهُمَا مِنْ الْكَسْبِ وَالْإِرْثِ) يَعْنِي أَقَرَّا أَنَّ مَا وَرِثَاهُ مِنْ أَبِيهِمَا لِفُلَانٍ (صَحَّ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا وَرِثَهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ فِي كَسْبِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فِي التِّجَارَاتِ وَلَا حَاجَةَ فِي الْمَوْرُوثِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ الْتَحَقَ بِالْبَالِغِ وَكُلٌّ مِنْ الْمَالَيْنِ مِلْكُهُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهِمَا.
(كِتَابُ الْوَكَالَةِ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْوَكَالَةِ وَالْإِذْنِ مَعْنَى الرِّضَا بِتَصَرُّفِ الْغَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْقَاضِي) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ وَصِيُّ جَدِّهِ ثُمَّ الْمَوَالِي ثُمَّ الْقَاضِي. اهـ.
[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]