(الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ) كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ (يَوْمَ غَصْبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْقِيمَةِ حِينَ غَصَبَهُ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ (فَإِنْ ادَّعَى) أَيْ الْغَاصِبُ (الْهَلَاكَ حُبِسَ حَتَّى يُعْلَمْ أَنَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبُ (لَوْ بَقِيَ لِظُهْرٍ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِفْلَاسَ، (بَرْهَنَ) أَيْ الْمَالِكُ (أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ غَاصِبِهِ وَقَلَبَ الْغَاصِبُ) أَيْ بَرْهَنَ أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ مَالِكِهِ (فَبَيِّنَتُهُ) أَيْ الْغَائِبِ (أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِالْغَصْبِ ثَابِتٌ ظَاهِرًا وَإِثْبَاتَ الرَّدِّ عَارِضٌ، وَالْبَيِّنَةُ لِمَنْ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ (وَبَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الضَّمَانِ وَفِي بَيِّنَتِهِ إثْبَاتُهُ، (وَهُوَ) أَيْ الْغَصْبُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ (فِيمَا يُنْقَلُ) وَيُحَوَّلُ لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ إزَالَةُ الْمَالِ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إلَّا فِي الْمَنْقُولِ لَا الْعَقَارِ الَّذِي لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ.
(فَلَوْ أَخَذَ عَقَارًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ) بِأَنْ غَلَبَ السَّيْلُ عَلَى الْأَرْضِ فَبَقِيَتْ تَحْتَ الْمَاءِ أَوْ غَصَبَ دَارًا فَهُدِمَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ جَاءَ سَيْلٌ فَذَهَبَ بِالْبِنَاءِ (لَمْ يَضْمَنْ) لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْغَصْبُ.
(قِيلَ) قَائِلُهُ عِمَادُ الدِّينِ والأسروشني فِي فُصُولَيْهِمَا (الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَبِالْجُحُودِ فِي الْوَدِيعَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْعَقَارُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَجَحَدَ كَانَ ضَامِنًا بِالِاتِّفَاقِ (وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) بِأَنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالدَّارِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَا (وَضَمِنَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ (مَا نَقَصَ) مَفْعُولُ ضَمِنَ (بِفِعْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَقَصَ، (وَسُكْنَاهُ) هَذَا بَيَانُ الضَّمَانِ فِي الْعَقَارِ الْعِبَارَةُ الصَّادِرَةُ عَنْ الْمَشَايِخِ هَاهُنَا مَا ذَكَرْنَا وَبَيْنَ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ الْفِعْلُ بِالْهَدْمِ وَالسُّكْنَى بِالسُّكْنَى الْمَخْصُوصَةِ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً بِعَمَلٍ يُفْضِي إلَى انْهِدَامِ الْبِنَاءِ كَالْحِدَادَةِ وَالْقِصَارَةِ حَتَّى قَالُوا فِي شَرْحِ قَوْلِ الْهِدَايَةِ، وَيَدْخُلُ فِيمَا قَالَهُ إذَا انْهَدَمَ الدَّارُ بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ، إنَّمَا قَيَّدَ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ بَعْدَ مَا غَصَبَ وَسَكَنَ فِيهَا لَا بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بَيَانُ سَبَبَيْ النَّقْصِ الْأَوَّلِ مَا يُوجِبُهُ ابْتِدَاءً، وَهُوَ الْهَدْمُ الثَّانِي مَا يُفْضِي إلَيْهِ بِالْآخِرَةِ وَهُوَ السُّكْنَى الْخَاصَّةُ، وَقَدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى الْهَلَاكَ) يَعْنِي بَعْدَمَا أَقَرَّ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ فِعْلِ الْغَصْبِ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَكُونُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ صَحِيحَةً لِلضَّرُورَةِ لِامْتِنَاعِ الْغَاصِبِ عَادَةً مِنْ إحْضَارِ الْمَغْصُوبِ وَحِينَ الْغَصْبِ إنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْ الشُّهُودِ مُعَايَنَةُ فِعْلِ الْغَصْبِ دُونَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَغْصُوبِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ عِلْمِهِمْ بِالْأَوْصَافِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ حُبِسَ حَتَّى يَعْلَمَ) يَعْنِي الْقَاضِيَ لَا يُعَجِّلُ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ لِمُدَّةِ التَّلَوُّمِ مِقْدَارٌ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا التَّلَوُّمُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ، وَأَمَّا إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ أَوْ تَلَوَّمَ الْقَاضِي فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قِيمَتِهَا عَلَى شَيْءٍ، أَوْ أَقَامَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ قِيمَتِهَا قَضَى بِذَلِكَ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ) هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي غَصْبِ الْأَصْلِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ الْمَغْصُوبُ، وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ تَلَوَّمَ فَقِيلَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ فِي السِّيَرِ جَوَابُ الْجَوَازِ مَعْنَاهُ لَوْ قَضَى فِي الْحَالِّ جَازَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْغَصْبِ جَوَابُ الْأَفْضَلِ يَعْنِي الْأَفْضَلَ التَّلَوُّمَ وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ أَيْ بِرَهْنٍ أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ مَالِكِهِ) يَعْنِي بَعْدَ الرَّدِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) وَيَتَحَقَّقُ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ لَكِنْ مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَإِذَا تَصَرَّفَ قِيلَ يَكُونُ غَاصِبًا بِدُونِ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي أَنَّهُ إذَا رَكِبَ دَابَّةَ رَجُلٍ حَالَ غَيْبَتِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ، ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا فِي مَكَانِهِ ذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ اللُّقَطَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنْقُولِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ النَّقْلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ قَائِلُهُ عِمَادُ الدِّينِ. . . إلَخْ) تَعْبِيرُهُ بِقِيلِ رُبَّمَا يُشْعِرُ بِالضَّعْفِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْفُصُولِ ثُمَّ قَوْلُهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَبِالْجُحُودِ فِي الْوَدِيعَةِ يُفِيدُ الِاخْتِلَافَ فِيهِ، وَمَا قَالَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِنْكَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ رَجُلًا وَجَحَدَ الْوَدِيعَةَ هَلْ يَضْمَنُ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَيُضْمَنُ أَيْضًا بِالْجُحُودِ اهـ يُفِيدُ أَوَّلُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَآخِرُهُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا اهـ.
ثُمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْعَقَارُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَجَحَدَ كَانَ ضَامِنًا بِالِاتِّفَاقِ اهـ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ، وَكَلَامُهُ مَتْنًا مُشْعِرٌ بِالْخِلَافِ وَلَيْسَ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ أَوَّلُ كَلَامِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَإِنْ كَانَ آخِرُهُ يَقْتَضِي الْخِلَافَ.