يَجْعَلَانِ الْمُسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَمَنْ تَمَلَّكَ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ جِهَتِهِ مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِ، حَتَّى أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَوْ ادَّعَى وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ يَخْتَلِفَانِ بِوَجْهٍ آخَرَ إذْ النَّوْعُ (الْأَوَّلُ يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعُقُودِ) الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْبَاعَةِ بِلَا حَاجَةٍ فِي انْفِسَاخِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى حُكْمِ الْقَاضِي بِلَا اخْتِلَافِ رِوَايَةٍ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلِكُلٍّ مِنْ الْبَاعَةِ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ (وَيَرْجِعُ) هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ (عَلَى الْكَفِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) فَإِنْ تَوَقَّفَ رُجُوعُ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي إنَّمَا يَكُونُ إذَا بَقِيَ أَثَرُ الْعَقْدِ وَهُوَ مِلْكٌ كَمَا فِي النَّوْعِ الثَّانِي، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ وَأَيْضًا بَدَلُ الْحُرِّ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَا يَجْتَمِعُ ثَمَنَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْمِلْكِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ حُكْمٌ عَلَى الْكَافَّةِ) أَيْ كَافَّةِ النَّاسِ (حَتَّى لَا تُسْمَعَ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ أَحَدٍ، كَذَا الْعِتْقُ وَفُرُوعُهُ) فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُ الْحُرِّ بِرِضَاهُ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ خُصُومٌ فِي إثْبَاتِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى نِيَابَةً عَنْهُ تَعَالَى لِكَوْنِهِمْ عَبِيدَهُ فَكَانَ حُضُورُ الْوَاحِدِ كَحُضُورِ الْكُلِّ بِخِلَافِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ خَاصَّةً فَلَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ انْتِصَابَهُ خَصْمًا إلَّا أَنَّ مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ أَيْضًا لِتَعَدِّي أَثَرِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ لِاتِّحَادِ الْمِلْكِ وَمَنْ قَضَى إلَيْهِ فِي حَادِثَةٍ لَمْ يَصِرْ مُقْتَضِيًا لَهُ فِيهَا بِتِلْكَ الْجِهَةِ (وَأَمَّا) الْحُكْمُ (فِي) الْمِلْكِ (الْمُؤَرَّخِ فَعَلَى الْكَافَّةِ مِنْ التَّارِيخِ لَا قَبْلَهُ) يَعْنِي إذَا قَالَ زَيْدٌ لِبَكْرٍ إنَّكَ عَبْدِي مَلَكْتُكَ مُنْذُ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَقَالَ بَكْرٌ إنِّي كُنْتُ عَبْدَ بَشَرٍ مَلَكَنِي مُنْذُ سِتَّةِ أَعْوَامٍ فَأَعْتَقَنِي فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ انْدَفَعَ دَعْوَى زَيْدٍ، ثُمَّ إذَا قَالَ عَمْرٌو لِبَكْرٍ إنَّكَ عَبْدِي مَلَكْتُك مُنْذُ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ وَأَنْتَ مِلْكِي الْآنَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ يُقْبَلُ وَيُفْسَخُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَيُجْعَلُ مِلْكًا لِعَمْرٍو، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ بَعْدَمَا حَقَّقَ الْمَسْأَلَةَ حَقَّ التَّحْقِيقِ فَصَارَتْ مَسَائِلُ الْبَابِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا عِتْقٌ فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَالْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ، وَالثَّانِي الْقَضَاءُ بِالْعِتْقِ فِي مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ وَلَا يَكُونُ قَضَاءً قَبْلَهُ فَلْيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك فَإِنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ خَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الْفَائِدَةِ.
. (وَ) النَّوْعُ (الثَّانِي لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَهَا) أَيْ انْفِسَاخَ الْعُقُودِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمِلْكِ (وَالْحُكْمُ) بِهِ أَيْ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ (حُكْمٌ عَلَى ذِي الْيَدِ) حَتَّى يُؤْخَذَ الْمُدَّعِي مِنْ يَدِهِ (وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى) ذُو الْيَدِ (الْمِلْكَ مِنْهُ) بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ وَسَائِطَ (فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْهُمْ) لِكَوْنِهِمْ مَحْكُومًا عَلَيْهِمْ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ عَلَى ذِي الْيَدِ إلَى آخِرِهِ (بَلْ دَعْوَى النِّتَاجِ) بِأَنْ يَقُولَ بَائِعٌ مِنْ الْبَاعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِمْ) أَيْ الْبَاعَةِ الْمَعْلُومِينَ مِنْ الْمَقَامِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُ) أَيْ الْبَاعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمَادِيُّ بَعْدَ هَذَا وَوَجْهُ عَدَمُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَوْلُ الْكَمَالِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةً لِمَا كَانَ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ فَيَظْهَرُ بِهَا مَا كَانَ قَبْلَهُ قِبْلِيَّةً لَا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ مُعَيَّنٍ وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَسْمَعُ دَعْوَى أَحَدِهِمْ أَنَّهُ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارُوا مَقْضِيًّا عَلَيْهِمْ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ فِي يَدِ الْأَخِيرِ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ حَيْثُ يَرْجِعُونَ.
(قَوْلُهُ: يَخْتَلِفَانِ بِوَجْهٍ آخَرَ) قَالَ الْعِمَادِيُّ وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ النَّاقِلَ إذَا وَرَدَ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاعَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ حُكْمٌ عَلَى الْكَافَّةِ) قَالَ الْعِمَادِيُّ وَمَنْ ادَّعَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ أُمِّهِ وَلَا اسْمَ أَبِ الْأُمِّ وَجَدِّهَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ حُرَّ الْأَصْلِ وَتَكُونُ أُمُّهُ رَقِيقَةً بِأَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَتَهُ فَالْوَلَدُ عَلَقَ حُرَّ الْأَصْلِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأُمُّ حُرِّيَّةً.
(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَهَا) أَيْ فَيُوجِبُ تَوَقُّفَ الْعَقْدِ السَّابِقِ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِذَا لَمْ يُجِزْ قِيلَ يَنْفَسِخُ إذَا قَبَضَ الْمُسْتَحَقُّ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، فَإِذَا رَجَعَ الْآنَ يَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَمَا قَضَى لَهُ أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَضَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْبِيَاعَاتِ مَا لَمْ يَرْجِعْ كُلٌّ عَلَى بَائِعِهِ بِالْقَضَاءِ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْعَيْنَ بِحُكْمِ الْقَاضِي وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَفْسَخْ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْفَسْخِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ: بَلْ دَعْوَى النِّتَاجِ بِأَنْ يَقُولَ بَائِعٌ مِنْ الْبَاعَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي بَائِعٍ لَمْ يَتَلَقَّ الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ دَعْوَى النِّتَاجِ عِنْدَهُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ مِنْهُ، أَمَّا مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيَمْتَنِعُ دَعْوَى النِّتَاجِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ النِّتَاجُ قَدْ وُجِدَ عِنْدَهُ حَقِيقَةً فَإِعْدَامُهُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ بِبَيْعِهِ أَوْ هِبَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا فَيَمْتَنِعُ دَعْوَى النِّتَاجِ لِلتَّنَاقُضِ كَمَا