وَالْمُنَابَذَةِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ) فَإِنَّهَا بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ عَلَى سِلْعَةٍ، فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا حَصَاةً لَزِمَ الْبَيْعُ فَالْأَوَّلُ الْمُلَامَسَةُ وَالثَّانِي الْمُنَابَذَةُ وَالثَّالِثُ إلْقَاءُ الْحَجَرِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْأَوَّلَيْنِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا الثَّالِثُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ.
. (وَ) فَسَدَ أَيْضًا بَيْعُ (الْكَلَا) بِالْقَصْرِ وَهُوَ مَا تَحْوِيهِ الْأَرْضُ مِنْ النَّبَاتِ (كَذَا) أَيْ يَفْسُدُ أَيْضًا (إجَارَتُهُ) أَمَّا فَسَادُ بَيْعِهِ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلْبَائِعِ إذْ بِمُجَرَّدِ نَبَاتِ الْكَلَا فِي أَرْضِهِ لَا تَنْقَطِعُ شَرِكَةُ النَّاسِ عَنْهُ وَلَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ مَا لَمْ يُوجَدْ الْإِحْرَازُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَا وَالنَّارِ» ، وَأَمَّا فَسَادُ إجَارَتِهِ فَلِوُرُودِهَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ وَمَحَلُّ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ دُونَ الْأَعْيَانِ وَلَا يَلْزَمُ الصَّبْغُ وَاللَّبَنُ فِي اسْتِئْجَارِ الصَّبَّاغِ وَالظِّئْرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ ثَمَّةَ آلَةٌ لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْإِجَارَةِ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَوْضِعًا مِنْ الْأَرْضِ لِيَضْرِبَ فِيهِ فُسْطَاطًا أَوْ لِيَجْعَلَهَا حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَيُبِيحُ صَاحِبُ الْمَرْعَى الِانْتِفَاعَ لَهُ بِالرَّعْيِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا، كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَالنَّحْلِ) فَإِنَّ بَيْعَهُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَصَحِيحٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ مُحْرَزًا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالزَّنَابِيرِ وَالِانْتِفَاعُ لَيْسَ بِهِ بَلْ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ (إلَّا مَعَ كُوَّارَاتٍ فِيهَا الْعَسَلُ) فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لَهَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا يَجُوزُ مَعَهَا أَيْضًا لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ، كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَدُودِ الْقَزِّ) وَبَيْضُهُ فَإِنَّ بَيْعَهُمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَهُ فِي الدُّودِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي بِيضِهِ وَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا مَعَهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدُّودَ مِنْ الْهَوَامِّ وَبِيضَهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْخَنَافِسَ وَالْوَزَغَاتِ وَبِيضَهُمَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدُّودَ يُنْتَفَعُ بِهِ وَكَذَا بِيضُهُ فِي الْمَآلِ فَصَارَ كَالْجَحْشِ وَالْمُهْرِ وَلِأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَعَاطَوْهُ فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَصَارَ كَالِاسْتِصْنَاعِ (وَبِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَالْآبِقِ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِهِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ (إلَّا مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَيْعُ آبِقٍ مُطْلَقٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ آبِقًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا غَيْرُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ قَالَ هُوَ عِنْدَ فُلَانٍ فَبِعْهُ مِنِّي لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ آبِقٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ وَقِيلَ يَتِمُّ.
(وَلَبَنِ امْرَأَةٍ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ إذْ يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا فَكَذَا جُزْؤُهَا قُلْنَا نَفْسُهَا مَحَلٌّ لِلرِّقِّ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَحِلِّ الْقُوَّةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحَيُّ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ (فِي وِعَاءٍ) قَدَحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ قَيَّدَ بِهِ دَفْعًا لِمَا عَسَى يُتَوَهَّمُ أَنَّ بَيْعَهُ فِي الضَّرْعِ لَا يَجُوزُ كَسَائِرِ أَلْبَانِ الْحَيَوَانَاتِ وَفِي الْوِعَاءِ يَجُوزُ.
(وَشَعْرُ الْخِنْزِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (وَجَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرْزِ) وَنَحْوِهِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْأَسَاكِفَةَ يَحْتَاجُونَ فِي خَرْزِ النِّعَالِ وَالْأَخْفَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِهِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي شِرَائِهِ لِوُجُودِهِ مُبَاحَ الْأَصْلِ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْكَلَا كَذَا إجَارَتُهُ) أَقُولُ بَيْعُهُ بَاطِلٌ وَإِجَارَتُهُ بَاطِلَةٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ: وَصَحِيحٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ. . . إلَخْ) أَقُولُ أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّبِيعَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْحُقُوقِ كَالْمَفَاتِيحِ فَالْعَسَلُ تَابِعٌ لِلنَّحْلِ فِي الْوُجُودِ وَالنَّحْلُ تَابِعٌ لَهُ فِي الْمَقْصُودِ بِالْبَيْعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتِي) أَيْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ
(قَوْلُهُ وَشَعْرُ الْخِنْزِيرِ) أَقُولُ هُوَ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.