؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّفْعِ إنَّمَا هُوَ بِالْبَيِّنَةِ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (وَلَا يَجِبُ بِلَا حُجَّةٍ) لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ بِبَيَانِ الْعَلَامَةِ (رَجُلٌ مَاتَ بِالْبَادِيَةِ جَازَ لِرَفِيقِهِ بَيْعُ مَتَاعِهِ وَمَرْكَبِهِ وَحَمْلُ ثَمَنِهِ إلَى أَهْلِهِ) كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ (حَطَبٌ وُجِدَ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فَلُقَطَةٌ) يُرَاعَى فِيهِ حُكْمُهَا (وَإِلَّا فَحَلَالٌ لِمَنْ أَخَذَ) كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ الْأَصْلِيَّةِ.
(كِتَابُ الْوَقْفِ) (هُوَ) لُغَةً بِمَعْنَى الْحَبْسِ فَإِنَّ وَقَفَ الَّذِي مَصْدَرُهُ الْوَقْفُ مُتَعَدٍّ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَ، وَوَقَفَ الَّذِي مَصْدَرُهُ الْوُقُوفُ لَازِمٌ وَشَرْعًا (حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنَافِعِ) بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى الْعَبْدِ فَيَلْزَمُ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ. لَهُمَا «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اسْتَفَدْتُ مَالًا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَكِنْ لِتُنْفِقَ ثَمَرَتَهُ» فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَازِمٌ وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ» أَيْ لَا مَالَ يُحْبَسُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ عَنْ الْقِسْمَةِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، فَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِالْحَبْسِ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى (وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا) كَذَا فِي الْكَافِي وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنَافِعِ بِقَوْلِهِ (فَلَمْ يَصِحَّ فِي رِوَايَةٍ) يَعْنِي إذَا تَضَمَّنَ الْوَقْفُ التَّصَدُّقَ بِالْمَنَافِعِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ (وَصَحَّ فِي الْأَصَحِّ) يَعْنِي أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ صَحِيحٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ بِالْمَنَافِعِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَمَا جَازَ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ وَغَلَّتِهِمَا لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَهُ وَلِذَا قَالَ (وَلَمْ يَلْزَمْ) لِبَقَاءِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِاللُّزُومِ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْوَاقِفِ إبْطَالُهُ فِي حَيَاتِهِ وَلِوَارِثِهِ بَعْدَهُ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَبَنَى سِقَايَةً أَوْ خَانًا لِبَنِي السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ وَفَرَّعَ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ بِقَوْلِهِ (فَصَحَّ تَمْلِيكُهُ) فِي حَيَاتِهِ (وَإِرْثُهُ) أَيْ كَوْنُهُ مَوْرُوثًا بَعْدَ مَوْتِهِ (وَالرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَيْ لَا يَكُونُ الْوَقْفُ لَازِمًا إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ بِالْقَضَاءِ (مِنْ) قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ (مُوَلًّى) مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ غَيْرَ مُحَكَّمٍ بِأَنْ كَانَ قَاضِيًا بِتَحْكِيمِ الْخَصْمَيْنِ إيَّاهُ فَإِنَّهُ إنْ حَكَمَ لَمْ يَنْفُذْ حَتَّى جَازَ لِلْمُوَلَّى أَنْ يَنْقُضَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ وَطَرِيقُ الْقَضَاءِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَاقِفُ مَا وَقَفَ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ يَرْجِعَ بِحُكْمِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِذَا تَرَافَعَا إلَى الْحَاكِمِ وَحَكَمَ بِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْ الْوَقْفِ لَزِمَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَإِذَا لَحِقَهُ حُكْمُ الْمُوَلَّى لَزِمَ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الصَّادِرَةِ عَنْ الْحُكَّامِ وَمَا يُذْكَرُ فِي صَكِّ الْوَقْفِ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ الْقُضَاةِ قَضَى بِلُزُومِ هَذَا الْوَقْفِ وَبُطْلَانِ حَقِّ الرُّجُوعِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (أَوْ بِالْمَوْتِ إذَا عَلَّقَ بِهِ) بِأَنْ قَالَ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى كَذَا ثُمَّ مَاتَ صَحَّ وَلَزِمَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزَةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ وَيَكُونُ مِلْكُ الْمَيِّتِ فِيهِ بَاقِيًا حُكْمًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَطَبٌ وُجِدَ فِي الْمَاءِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَيَحِلُّ أَخْذُ التُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى مِنْ الْأَنْهَارِ، وَكَذَا مَا يَبْقَى مِنْ الثِّمَارِ الْوَاقِعَةِ تَحْتَ الْأَشْجَارِ فِي غَيْرِ الْأَمْصَارِ عَلَى الْمُخْتَارِ كَأَخْذِ النَّوَى وَقُشُورِ الرُّمَّانِ الْمَنْبُوذِ لَا الْمَجْمُوعِ وَكَأَخْذِ السَّنَابِلِ بَعْدَ رَفْعِ الزَّرْعِ.
(فَرْعٌ مُهِمٌّ) أَخَذَ مُكَعَّبَهُ وَوَجَدَ غَيْرَهُ فِي مَكَانِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ كَاللُّقَطَةِ فِي الْحُكْمِ.
[كِتَابُ الْوَقْفِ]
(كِتَابُ الْوَقْفِ) (قَوْلُهُ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ) يَعْنِي عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَصِحَّ فِي رِوَايَةٍ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ فَأَخَذَ النَّاسُ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَقَالُوا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عِنْدَهُ قُلْنَا مُرَادُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَهُ لَازِمًا فَأَمَّا أَصْلُ الْجَوَازِ فَثَابِتٌ عِنْدَهُ اهـ.
وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ أَوْ بِالْمَوْتِ إذَا عُلِّقَ بِهِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْ أُضِيفَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يَكُونُ الْوَقْفُ لَازِمًا إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ) يَعْنِي لُزُومًا حَالِيًّا أَوْ مَآلِيًا لِمَا سَنَذْكُرُ