(وَالذِّمِّيُّ فِيهَا) أَيْ الدِّيَةِ (كَالْمُسْلِمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ» وَبِهِ قَضَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -
(وَفِي النَّفْسِ) هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي دِيَةٌ (وَالْمَارِنُ وَاللِّسَانُ إنْ مَنَعَ النُّطْقَ أَوْ أَدَاءَ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ وَالذَّكَرُ وَالْحَشَفَةُ وَالْعَقْلُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللِّحْيَةُ إنْ حُلِقَتْ وَلَمْ تَنْبُتْ وَشَعْرُ الرَّأْسِ) أَيْضًا إنْ حُلِقَ وَلَمْ تَنْبُتْ (دِيَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْجَانِيَ إنْ فَوَّتَ فِي الْأَطْرَافِ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ زَوَالِ مَا قَصَدَ فِي الْآدَمِيِّ مِنْ كَمَالِ الْجَمَالِ تَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ لِإِتْلَافِهِ النَّفْسَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ أَصْلُهُ «قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ كُلِّهَا فِي اللِّسَانِ وَالْأَنْفِ» وَقَدْ قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ ذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ (كَذَا كُلُّ مَا فِي الْبَدَنِ اثْنَانِ) كَالْحَاجِبَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالِاثْنَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ.
(وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا) كَذَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ» «وَفِيمَا كَتَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَلِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الِاثْنَيْنِ مِنْهَا تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ كَمَالِ الْجَمَالِ فَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي تَفْوِيتِ أَحَدِهِمَا تَفْوِيتُ النِّصْفِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ
(وَكَذَا أَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ) حَيْثُ يَجِبُ فِي كُلِّهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي الِاثْنَيْنِ مِنْهَا نِصْفُهَا (وَفِي أَحَدِهَا) أَيْ أَحَدِ الْأَشْفَارِ (رُبْعُهَا) أَيْ رُبْعُ الدِّيَةِ لِمَا ذُكِرَ
(وَفِي كُلِّ إصْبَعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ عُشْرُهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» (وَمَا فِيهَا مَفَاصِلُ) ثَلَاثَةٌ (فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ أُصْبُعٍ) لِأَنَّهُ ثُلُثُهَا (وَنِصْفُهَا) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ أُصْبُعٍ (لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ) كَالْإِبْهَامِ لِأَنَّهُ نِصْفُهَا وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ (كَمَا فِي كُلِّ سِنٍّ) يَعْنِي يَجِبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالذِّمِّيُّ فِيهَا كَالْمُسْلِمِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ لَيْسَ مِثْلَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ فَقَالَ وَلَا دِيَةَ فِي الْمُسْتَأْمَنِ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ دِيَتُهُ مِثْلَيْ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا انْتَهَى فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ
(قَوْلُهُ وَالْمَارِنُ) كَذَا لَوْ قَطَعَهُ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَاللِّسَانُ إنْ مَنَعَ النُّطْقَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ بِلِسَانِ الْأَخْرَسِ وَالْوَاجِبُ فِيهِ مَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَمَّا لِسَانُ الْأَخْرَسِ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ (قَوْلُهُ أَوْ أَدَاءَ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ قِيلَ تُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ حُرُوفٍ تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ فَبِقَدْرِ مَا لَا يَقْدِرُ يَجِبُ وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ أَكْثَرِهَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَالِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَنْفَعَةُ الْكَلَامِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ مِثْلُ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ انْتَهَى أَيْ قِسْمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ مُطْلَقًا انْتَهَى وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْأَوَّلُ أَصَحُّ أَيْ قِسْمَتُهَا عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا انْتَهَى وَلَكِنْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ حُرُوفِ اللِّسَانِ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا انْتَهَى وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ وَإِنْ مَنَعَ بَعْضَ الْكَلَامِ دُونَ الْبَعْضِ تُقْسَمُ دِيَةُ اللِّسَانِ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِقَدْرِ مَا فَاتَ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَاللِّحْيَةُ إنْ حُلِقَتْ وَلَمْ تَنْبُتْ) يَعْنِي بَعْدَ تَأْجِيلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ سَنَةً وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا وَلَمْ تَنْبُتْ لَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي وَإِنْ نَبَتَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَهَذَا أَيْ لُزُومُ الدِّيَةِ فِي الْحُرِّ غَيْرِ الْكَوْسَجِ وَفِي الْعَبْدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ عَلَى الظَّاهِرِ وَرَوَى الْحَسَنُ كَمَالَ الْقِيمَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ فِي ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ فَلَيْسَ فِي حَلْقِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ وُجُودَهَا يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَهَذَا إذَا لَمْ تَنْبُتْ كَمَا ذُكِرَ وَإِنْ نَبَتَ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَيُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الْمُحَرَّمَ فَإِنْ نَبَتَ أَبْيَضَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّ وَعِنْدَهُمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَاضِي خَانْ
(قَوْلُهُ وَكَذَا شِفَارُ الْعَيْنَيْنِ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَشْفَارِ حُرُوفُ الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَهْدَابُ تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ وَأَيُّهُمَا أُرِيدَ كَانَ مُسْتَقِيمًا لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةً كَامِلَةً وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ وَالْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَإِذَا نَبَتَتْ الْأَهْدَابُ فَلَا شَيْءَ وَلَا قِصَاصَ إنْ لَمْ تَنْبُتْ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الشَّعْرِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّأْجِيلَ وَلَعَلَّهُ كَاللِّحْيَةِ
(قَوْلُهُ كَمَا فِي كُلِّ سِنٍّ. . . إلَخْ) يَعْنِي سِنَّ الرَّجُلِ وَدِيَةُ سِنِّ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ سِنِّ الرَّجُلِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ