بِمُجْمَلٍ لِيَمْتَنِعَ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ الْبَيَانِ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَتَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدُ فَلَا تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ لِمَا مَرَّ مِرَارًا
(أَقَرَّ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِقَتْلِ زَيْدٍ وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ فَلَهُ قَتْلُهُمَا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَقَرَّ بِانْفِرَادِهِ بِكُلِّ الْقَتْلِ وَبِالْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَالْمُقَرُّ لَهُ صَدَّقَهُ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنَّهُ كَذَّبَهُ فِي انْفِرَادِهِ بِالْقَتْلِ وَتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُبْطِلُ إقْرَارَهُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ تَفْسِيقَهُ وَفِسْقُ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ (وَلَوْ كَانَ مَكَانَ إقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ) أَيْ شَهِدَا بِقَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا وَآخَرَانِ بِقَتْلِ بَكْرٍ إيَّاهُ لَغَتْ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْمَشْهُودِ لَهُ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ وَفِسْقُ الشَّاهِدِ يُوجِبُ رَدَّ شَهَادَتِهِ
(شَهِدَا) عَلَى رَجُلٍ (بِقَتْلِهِ خَطَأً وَحَكَمَ بِالدِّيَةِ فَجَاءَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِقَتْلِهِ حَيًّا ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ الْوَلِيُّ) لِأَنَّهُ قَبَضَ الدِّيَةَ بِغَيْرِ حَقٍّ (أَوْ الشُّهُودَ) لِأَنَّ الْمَالَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ (وَرَجَعُوا) أَيْ الشُّهُودُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْمَضْمُونَ وَهُوَ مَا فِي يَدِ الْوَلِيِّ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ (وَالْعَمْدُ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي الرُّجُوعِ) أَيْ إذَا كَانَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَمْدِ فَقَتَلَ بِهِ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا تَخَيَّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ تَضْمِينِ الْوَلِيِّ الدِّيَةَ أَوْ الشُّهُودِ فَإِنْ ضَمَّنُوا الشُّهُودَ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى الْوَلِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا هُنَا لِلْوَلِيِّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْقِصَاصُ فَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَرْجِعُوا بِمَالٍ إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْوَلِيِّ كَمَا فِي الْخَطَأِ
(وَلَوْ) شَهِدَا (عَلَى إقْرَارِهِ) أَيْ إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِالْخَطَأِ أَوْ الْعَمْدِ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا لَمْ يَضْمَنَا إذْ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمَا فِي شَهَادَتِهِمَا (أَوْ) شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ (غَيْرِهِمَا فِي الْخَطَأِ) وَقُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا لَمْ يَضْمَنَا أَيْضًا إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمَا فِي شَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ شَهَادَةُ الْأُصُولِ عَلَى الْقَتْلِ لَا نَفْسُ الْقَتْلِ (ضَمِنَ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِلْعَاقِلَةِ إذْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَسَائِلِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ شَرَعَ فِي مَسَائِلِ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ فَقَالَ (الْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الرَّمْيِ لَا الْوُصُولِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ الرَّمْيِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَالْحِلِّ لِأَنَّ الضَّمَانَ أَنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ الشَّخْصُ جَانِيًا بِفِعْلٍ يَدْخُلُ تَحْتَ اخْتِيَارِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ لَا الْوُصُولُ (فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ) الْمَرْمِيُّ عَلَيْهِ (فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَيْهِ فَمَاتَ فَعَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَإِتْلَافُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ هَدَرٌ وَلَهُ أَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ وَقْتَ الرَّمْيِ مَعْصُومٌ وَالْعِبْرَةُ بِهِ
(وَتَجِبُ الْقِيمَةُ لِسَيِّدِ عَبْدٍ رَمَى إلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ صَارَ مَرْمِيًّا إلَيْهِ (فَأَعْتَقَهُ فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَيْهِ فَمَاتَ لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ مَمْلُوكٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا إلَى غَيْرِ مَرْمِيٍّ
. (وَ) يَجِبُ (الْجَزَاءُ عَلَى مُحْرِمٍ رَمَى صَيْدًا فَحَلَّ) أَيْ خَرَجَ مِنْ الْإِحْرَامِ (فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ مُحْرِمٌ (لَا عَلَى حَلَالٍ رَمَاهُ فَأَحْرَمَ فَوَصَلَ) لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ غَيْرُ مُحْرِمٍ
(وَلَا يَضْمَنُ مَنْ رَمَى مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِرَجْمٍ فَرَجَعَ شَاهِدُهُ فَوَصَلَ) لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ مُبَاحُ الدَّمِ
(كِتَابُ الدِّيَاتِ) جَمْعُ دِيَةٍ مَصْدَرُ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ ثُمَّ قِيلَ لِذَلِكَ الْمَالِ دِيَةٌ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَفَاؤُهَا مَحْذُوفَةٌ كَمَا فِي عِدَةٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتَجِبُ أَيْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) يَعْنِي فِي ثَلَاثِ سِنِينَ
(قَوْلُهُ وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ فَلَهُ قَتْلُهُمَا) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَتَلْتُمَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ صَدَقْتُمَا لَيْسَ لَهُ قَتْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَكْذِيبٌ لِلْآخَرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لِكُلٍّ قَتَلْته وَحْدَك فَيَكُونُ مُقِرًّا بِعَدَمِ قَتْلِ الْآخَرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَتَلْتُمَاهُ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُمَا فَيَقْتُلُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَيْ شَهِدَا بِقَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا وَآخَرَانِ بِقَتْلِ بَكْرٍ إيَّاهُ) يَعْنِي وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ لَغَتْ الشَّهَادَتَانِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْمَشْهُودِ لَهُ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ) الْمُرَادُ بِتَكْذِيبِهِ نَفْيُ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ قَتَلَاهُ لَمْ يُثْبِتْ الْقَتْلَ لِكُلٍّ مُنْفَرِدًا فَلِهَذَا صَارَ مُكَذِّبًا لِكُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ فَلَغَتَا
(قَوْلُهُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ فِي قَلْبِهِ لَا تَجِبُ بِأَنْ رَمَى مُرْتَدًّا أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ
(قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ. . . إلَخْ) وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُتَرَدِّدٌ رُوِيَ عَنْهُ إيجَابُ الْقِيمَةِ كَقَوْلِ الْإِمَامِ وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
(قَوْلُهُ لَا عَلَى حَلَالٍ رَمَاهُ فَأَحْرَمَ) يُشِيرُ إلَى حِلِّهِ كَمَا لَوْ رَمَاهُ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ
(كِتَابُ الدِّيَاتِ)