فِي الصُّورَةِ الْأُولَى شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْقِصَاصُ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَيْسَ أَدْنَى مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ أَقُولُ فِي دَفْعِهِ إنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَا يُورِثُ شُبْهَةً يُدْفَعُ بِهَا الْقِصَاصُ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى مُدَّعِي الْقَطْعِ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ وَأَثْبَتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي كَانَ مُوجِبًا عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِهِ فَيَكُونُ الْمُدَّعِي فِي حُكْمِ الْمُكْرِهِ لِلْقَاضِي كَمَا يَكُونُ الْمُسْتَوْفَى بِنَفْسِهِ فِي حُكْمِ الْمُخْطِئِ بَلْ يَكُونُ مُكْرَهًا حَقِيقَةً بِمُقْتَضَى تَعْرِيفِ الْإِكْرَاهِ وَهُوَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى فِعْلٍ بِمَا يُعْدَمُ رِضَاهُ بِهِ لَا اخْتِيَارُهُ فَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ أَوْ مُكْرَهًا وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ يَكُونُ آلَةً لَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْمُبَاشِرِ لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ
(وَأَرْشُ الْيَدِ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ دِيَةُ النَّفْسِ أَيْ ضَمِنَ أَرْشَ الْيَدِ (مَنْ قَطَعَ يَدَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ قَوَدٌ فَعَفَا عَنْهُ) أَيْ قَطَعَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ يَدَ الْقَاتِلِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْقَتْلِ ضَمِنَ دِيَةَ الْيَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إتْلَافَ النَّفْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَأَتْلَفَ الْبَعْضَ فَإِذَا عَفَا فَهُوَ عَمَّا سِوَى هَذَا الْبَعْضِ وَلَهُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ لَكِنْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ
(بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالَتِهِ) أَيْ حَالَةِ الْقَتْلِ (الْقَوَدُ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ بَدْءًا لَا إرْثًا) اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا طَرِيقَتَيْنِ أَحَدُهُمَا طَرِيقُ الْخِلَافَةِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِسَبَبٍ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْمُورِثِ كَمَا إذَا اتَّهَبَ الْعَبْدَ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْمَوْلَى بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَالثَّانِي طَرِيقُ الْوِرَاثَةِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُورِثِ ثُمَّ لِلْوَارِثِ بِالنَّقْلِ مِنْهُ إلَيْهِ فَذَهَبَ الْإِمَامَانِ إلَى الثَّانِي قَوْلًا بِأَنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ وَيَصِحُّ عَفْوُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَيَقْضِي دُيُونَهُ مِنْهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا وَيَنْفُذُ وَصَايَاهُ مِنْهُ كَمَا فِي الدِّيَةِ وَذَهَبَ الْإِمَامُ إلَى الْأَوَّلِ قَوْلًا بِأَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ أَيْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فَيَسْتَحِقُّونَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكُ الْفِعْلِ فِي الْمَحَلِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَإِنَّمَا صَحَّ عَفْوُ الْمَجْرُوحِ لِأَنَّ السَّبَبَ انْعَقَدَ لَهُ وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] نَصَّ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَهْلٌ لِمِلْكِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَلَّقَ بِهِ صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ يَمْلِكُهُ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ حَقُّ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُ وَحَقُّ الْمَيِّتِ عِنْدَهُمَا فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً (فَلَا يَصِيرُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ) فِي إثْبَاتِ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهُمْ وَبِإِقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ لَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ (فَلَوْ بَرْهَنَ) أَحَدُهُمْ (بِغَيْبَةِ أَخِيهِ عَلَى قَتْلِ أَبِيهِ فَحَضَرَ) الْأَخُ الْغَائِبُ (يُعِيدُهَا) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ (وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ) إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْقَتْلِ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ (بِخِلَافِ الْخَطَأِ وَالدَّيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُعِيدُهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَقُولُ فِي دَفْعِهِ إنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَا يُورِثُ شُبْهَةً يَنْدَفِعُ بِهَا الْقِصَاصُ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى مُدَّعِي الْقَتْلِ. . . إلَخْ) بَعِيدُ الْإِسْنَادِ إلَى مَقَامِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُبَايِنٌ لِلْقَضَاءِ لِاسْتِنَادِهِ لِلْحُجَّةِ وَالْإِكْرَاهُ لَا حُجَّةَ مَعَهُ وَإِنَّمَا هُوَ بَغْيٌ مَحْضٌ وَلَوْ قِيلَ بِمَا ذُكِرَ لَمْ يَكُنْ لِلْقَضَاءِ فَائِدَةٌ وَلَا قَائِلَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ وَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى حَقِيقَةِ الْإِكْرَاهِ وَكَانَ الْقَاضِي آلَةً فِي يَدِ الْمُدَّعِي صَارَ الْقَضَاءُ مُنْعَدِمًا وَصَارَ الْمُدَّعِي مُسْتَوْفِيًا بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَسَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلشُّبْهَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ مَتْنًا وَفِي إثْبَاتِ الْقِصَاصِ مَعَ الْقَضَاءِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ إبْطَالٌ لِلْمَتْنِ بَلْ لِكُلِّ مَتْنٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ
(قَوْلُهُ وَأَرْشُ الْيَدِ مِنْ قَطْعٍ. . . إلَخْ) يَعْنِي سَوَاءٌ قَضَى بِالْقِصَاصِ أَوْ لَمْ يَقْضِ وَذَلِكَ فِي مَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْبَزْدَوِيُّ (قَوْلُهُ ضَمِنَ دِيَةَ الْيَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي إذَا بَرِئَتْ وَلَمْ تَسْرِ إلَى النَّفْسِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُمَا يَعْنِي الصَّاحِبَيْنِ أَهْدَرَاهُ أَيْ أَرْشَ الْيَدِ كَمَا لَوْ سَرَى إلَى نَفْسِهِ وَكَمَا لَوْ كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الطَّرَفِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْأَصَابِعَ وَهِيَ لِلْكَفِّ كَالْأَطْرَافِ لِلنَّفْسِ وَكَمَا لَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَمَا سَرَى ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبَرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَبَرِيءَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ وَلَوْ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ فَلَا يَضْمَنُ حَتَّى لَوْ حَزَّهَا بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى
(تَنْبِيهٌ) لَا قِصَاصَ فِي الشَّعْرِ أَيَّ شَعْرٍ كَانَ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَالْمُحِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالَتِهِ]
بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ (قَوْلُهُ اعْلَمْ. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ