فِيمَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ (أَوْ لَمْ يُطَالِبْ الْمَالِكُ وَإِنْ أَقَرَّ السَّارِقُ) فَلِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُطَالَبَةِ (سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَبَرْهَنَ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْحَاضِرُ) لِأَنَّ السَّرِقَةَ إذَا لَمْ تَثْبُتْ عَلَى الْغَائِبِ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَبِدَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ لَا تَثْبُتُ الشُّبْهَةُ وَلِأَنَّ احْتِمَالَ دَعْوًى مِنْ الْغَائِبِ الشُّبْهَةِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ (وَقُطِعَ) السَّارِقُ (بِخُصُومَةِ ذِي يَدٍ حَافِظَةٍ) كَأَبٍ وَوَصِيٍّ وَمُودَعٍ وَغَاصِبٍ وَصَاحِبِ رِبًا وَمُسْتَعِيرٍ وَمُسْتَأْجِرٍ وَمُضَارِبٍ وَقَابِضٍ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَمُرْتَهِنٍ وَمُسْتَبْضِعٍ (وَخُصُومَةِ الْمَالِكِ) أَيْضًا (مَنْ سَرَقَ مِنْهُمْ) مَفْعُولُ خُصُومَةِ أَمَّا خُصُومَةُ ذِي يَدٍ حَافِظَةٍ فَلِأَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا وَقَدْ ظَهَرَتْ بِنَفْسِهَا عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فَيَسْتَوْفِي فِي الْقَطْعِ وَلَهُمْ يَدٌ صَحِيحَةٌ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ فَإِذَا أُزِيلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِاسْتِرْدَادِهَا أَصَالَةً لَا نِيَابَةً لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَمِينًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إلَّا بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَمِينًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِهِ يَقُولُ سَرَقَ مِنِّي فَإِنْ كَانَ أَصِيلًا فِي الْخُصُومَةِ وَجَبَ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ الثُّبُوتِ بِلَا حَضْرَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَأَمَّا خُصُومَةُ الْمَالِكِ مَنْ سَرَقَ مِنْهُمْ فَلِأَنَّ لَهُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ وَهِيَ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ الْحَافِظَةِ فَإِذَا جَازَتْ بِالثَّانِيَةِ فَلَأَنْ تَجُوزَ بِالْأُولَى أَوْلَى (لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ (مِنْ سَارِقٍ قُطِعَ) يَعْنِي إذَا سَرَقَ رَجُلٌ شَيْئًا فَقُطِعَ بِهِ وَبَقِيَ الْمَسْرُوقُ فِي يَدِهِ وَسَرَقَهُ مِنْ السَّارِقِ آخَرُ لَا يُقْطَعُ الثَّانِي لِأَنَّ السَّرِقَةَ إنَّمَا تُوجِبُ الْقَطْعَ إذَا كَانَتْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ أَوْ الْأَمِينِ أَوْ الضَّمِينِ لِمَا مَرَّ آنِفًا وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهَا هَاهُنَا إذْ السَّارِقُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا أَمِينٍ وَلَا ضَمِينٍ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ قَبْلَ الْقَطْعِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ وَلِرَبِّ الْمَالِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْغَاصِبِ (وَقُطِعَ عَبْدٌ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ لِأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِوَاسِطَةِ التَّكْلِيفِ وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فَيَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالُ آدَمِيٍّ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ أَلَا يَرَى أَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ لِعَدَمِهَا (وَمَا قُطِعَ بِهِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْطُوعُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا (لِمَنْ بَقِيَ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ) لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ (وَإِلَّا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ أَتْلَفَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» قَوْلُهُ وَإِنْ أَتْلَفَ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِالِاسْتِهْلَاكِ (وَلَا مَنْ سَرَقَ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ لَا يَضْمَنُ وَجَازَ لِلْفَصْلِ (مَرَّاتٍ فَقُطِعَ وَلَوْ) كَانَ الْقَطْعُ (بِبَعْضِهِمَا) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُطَالِبْ الْمَالِكُ) أَيْ لَمْ يُقْطَعْ فَهَذَا مَحَلُّ جَوَابِ الشَّرْطِ كَذَا فِي الْكَنْزِ وَشَرْحِهِ لِلزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ قَالَ.
وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُطِعَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الْغَائِبِ وَتَصْدِيقُهُ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا يُنْتَظَرُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُنْتَظَرُ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَيْسَتْ هَذِهِ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الدَّعْوَى فِي الْإِقْرَارِ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ السَّارِقُ أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ مَا لَمْ يَحْضُرْ وَيُخَاصِمْ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الدَّعْوَى فِي الْإِقْرَارِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ. . . إلَخْ اهـ.
(قَوْلُهُ سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا. . . إلَخْ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ ثُمَّ لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ تُعَادَ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَوْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ أُخْرَى وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْحَاضِرُ بِسَرِقَةٍ مَعَ الْغَائِبِ يُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَيْضًا) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ حَالَ غَيْبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ إذْ لَوْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا لَا يُقْطَعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلرَّاهِنِ وِلَايَةُ الْقَطْعِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَزْيَدَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النِّصَابِ اهـ.
وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ يَنْبَغِي. . . إلَخْ (قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ سَارِقٍ) يَعْنِي لَا يَكُونُ لَهُ وَلَا لِرَبِّ السَّرِقَةِ الْقَطْعُ وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ خُصُومَةِ الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي أُخْرَى اهـ.
وَالْوَجْهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ هَذَا الْحَالُ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَرُدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا إلَى الثَّانِي إذَا رَدَّهُ لِظُهُورِ خِيَانَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَلْ يَرُدُّهُ مِنْ يَدِ الثَّانِي إلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِلَّا حَفِظَهُ كَأَمْوَالِ الْغَائِبِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَقُطِعَ عَبْدٌ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ كَبِيرًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ أَصْلًا لَكِنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَيَضْمَنُهُ إنْ كَانَ هَالِكًا وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يَرُدُّ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ (قَوْلُهُ إنْ بَقِيَ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ) أَيْ سَوَاءٌ بَقِيَ بِيَدِ السَّارِقِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا إذَا بَاعُوهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ قَبْلَهُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ رُجُوعَهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إلَى دَعْوَى الْمَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ