لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهَاهُنَا حَقُّ الشَّرْعِ غَالِبٌ عِنْدَنَا (وَلَا) فِيهِ (رُجُوعٌ) يَعْنِي مَنْ أَقَرَّ بِقَذْفٍ ثُمَّ رَجَعَ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ لِلْمَقْذُوفِ فِيهِ حَقًّا فَيُكَذِّبُهُ فِي الرُّجُوعِ بِخِلَافِ حُدُودٍ هِيَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهَا (وَلَا اعْتِيَاضَ) أَيْ أَخْذَ عِوَضٍ (عَنْهُ) لِأَنَّهُ أَيْضًا يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ
(قَالَ) رَجُلٌ (لِآخَرَ يَا زَانِي فَرَدَّ) الْآخَرُ كَلَامَهُ عَلَيْهِ بِلَا أَيْ بِقَوْلِهِ لَا (بَلْ أَنْتَ حُدَّا) لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ (وَلَوْ قَالَ لِعِرْسِهِ فَرُدَّتْ بِهِ حُدَّتْ وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ الْآخَرَ وَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُبْدَأُ بِالْحَدِّ لِأَنَّ فِي بُدَاءَتِهِ فَائِدَةَ إبْطَالِ اللِّعَانِ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلِ اللِّعَانِ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ لِأَنَّ الْمُلَاعَنَةَ تُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ إحْصَانَهُ لَا يُبْطِلُ اللِّعَانَ وَالْمَحْدُودَةُ فِي الْقَذْفِ لَا تُلَاعَنُ لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ فَيُحْتَالُ لِدَفْعِ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ (وَبِزَنَيْتُ بِك هَدَرٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْتُ بِكَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْحَدُّ لَا اللِّعَانُ وَاحْتِمَالُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زَنَائِي هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنِّي مَا مَكَّنْت أَحَدًا غَيْرَك وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّ الْحَدَّ لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ لَا مِنْهَا فَجَاءَ الشَّكُّ
(أَقَرَّ بِوَلَدٍ فَنَفَى لَاعَنَ وَإِنْ عَكَسَ حُدَّ) لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ بِالنَّفْيِ صَارَ قَاذِفًا فَوَجَبَ اللِّعَانُ وَإِذَا نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ فَقَدْ كَذَّبَ نَفْسَهُ فَوَجَبَ الْحَدُّ (وَالْوَلَدَانِ) يَعْنِي وَلَدٌ أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ (لَهُ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ لِإِقْرَارِهِ
(قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي حُدَّ وَلِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ لَا) كَذَا فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ (لَا شَيْءَ بِلَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك) لِأَنَّهُ نَفْيُ الْوِلَادَةِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ قَاذِفًا
(وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ مَنْ لَهَا وَلَدٌ لَا أَبَ لَهُ) لِقِيَامِ إمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا وَهِيَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ نَظَرًا إلَيْهَا (أَوْ) بِقَذْفِ (مَنْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ وَالْوَلَدُ حَيٌّ) أَوْ قَذَفَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ لِقِيَامِ إمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمُلَاعَنَةِ بِلَا نَفْيِ الْوَلَدِ حَيْثُ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِانْتِفَاءِ الْإِمَارَةِ (أَوْ) بِقَذْفِ (رَجُلٍ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ أَوْ بِوَجْهٍ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ) فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الصُّورَتَيْنِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ (أَوْ) وَطِئَ (فِي مِلْكِهِ الْمُحَرَّمِ أَبَدًا كَأَمَةٍ هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا أَوْ مَنْ زَنَتْ) عَطْفٌ عَلَى رَجُلٍ وَطِئَ أَيْ لَا حَدَّ بِقَذْفِ مَنْ زَنَتْ (فِي كُفْرِهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا اعْتِيَاضَ عَنْهُ) كَذَا لَا عَفْوَ فِيهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَهُ بَعْدَ ذَهَابِ الْمَقْذُوفِ وَعَفَوْهُ بَلْ إذَا عَادَ وَطَلَبَهُ حُدَّ لِأَنَّ الْعَفْوَ كَانَ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَاصِمْ إلَى الْآنَ.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الشَّامِلِ لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَّبَ شُهُودِي اهـ كَذَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ يَا زَانِي فَرَدَّ عَلَيْهِ بِلَا بَلْ أَنْتَ حُدَّا) يَعْنِي بِطَلَبِهِمَا وَلَا عَفْوَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَكَذَا لَوْ تَضَارَبَا يُعَزَّرَانِ وَلَا يَتَكَافَآنِ وَيُبْدَأُ بِالْبَادِئِ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ مِنْ السَّبِّ فَإِنَّهُمَا يَتَكَافَآنِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لِأَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ بِتَشَاتُمِهِمَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي كَمَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ أَقَرَّ بِوَلَدٍ فَنَفَى. . . إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي بَابِ اللِّعَانِ مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَفَى أَوَّلَ التَّوْأَمَيْنِ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي حُدَّ وَإِنْ عَكَسَ لَاعَنَ وَثَبَتَ نَسَبُهُمَا فِيهِمَا وَلِذَا نَبَّهَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى ذَلِكَ
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي حُدَّ) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّرْخِيمَ شَائِعٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ لَا) أَيْ لَا يُحَدُّ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّ التَّاءَ تُزَادُ لَهُ كَمَا فِي عَلَّامَةٍ وَنَسَّابَةٍ وَلَهُمَا أَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ فَلَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ قَذَفَ مَجْبُوبًا وَكَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ مَحَلٌّ لِلزِّنَا لَا يُحَدُّ وَكَوْنُ التَّاءِ لِلْمُبَالَغَةِ مَجَازٌ لِمَا عُهِدَ لَهَا مِنْ التَّأْنِيثِ وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فَالْحَدُّ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا شَيْءَ بِلَيْسَ بِابْنِي. . . إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ لِتَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهَا
(قَوْلُهُ لَا أَبَ لَهُ) يَعْنِي لَا أَبَ لَهُ مَعْرُوفٌ فِي بَلَدِ الْقَذْفِ لَا فِي كُلِّ الْبِلَادِ كَذَا فِي الْبَحْرِ اهـ فَهَذَا أَعَمُّ مِنْ مَجْهُولِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَذْفِ مَنْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ) يَعْنِي وَقَدْ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ وَاسْتَمَرَّ مُنْقَطِعَ النَّسَبِ عَنْهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ بَعْدَهُ فَحُدَّا وَلَمْ يُحَدَّ حَتَّى مَاتَ أَوْ لَاعَنَ وَلَمْ يَقْطَعْ الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ حُدَّ قَاذِفُهَا وَكَذَا يُحَدُّ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ ادَّعَاهُ وَهُوَ يُنْكِرُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْأَبِ وَيُحَدُّ الْأَبُ لِخُرُوجِهَا عَنْ صُورَةِ الزَّوَانِي كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُلَاعَنَةِ بِلَا نَفْيِ الْوَلَدِ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ كَمَا يُحَدُّ قَاذِفُ وَلَدِ الزِّنَا أَوْ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ (قَوْلُهُ بِكُلِّ وَجْهٍ كَوَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ إحْصَانَهُ وَلَوْ مُكْرَهًا) كَذَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْإِثْمَ وَلَا يَخْرُجُ الْفِعْلُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ زَنَتْ فِي كُفْرِهَا) لَوْ قَالَ مَنْ زِنَا لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الرَّجُلَ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ حُكْمُهُ مِنْ حُكْمِهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قُذِفَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِزِنًا كَانَ فِي الْكُفْرِ بِأَنْ قَالَ زَنَيْتَ وَأَنْتَ كَافِرٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ