كَانَ فِي الْمَاضِي لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فَهُوَ الْغَمُوسُ وَلَا يَكْفُرُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا لِلْمَاضِي بِالْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَحْقِيقَهُ بَلْ أَنْ يَصْدُقَ فِي مَقَالَتِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ، وَالتَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ كَافِرٌ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَالِفَ (لَمْ يَكْفُرْ) فِي الْمَاضِي، وَالْمُسْتَقْبَلِ (إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمِينٌ وَكَفَرَ إنْ) كَانَ جَاهِلًا (اعْتَقَدَ أَنَّهُ كُفْرٌ) فِي الْمَاضِي، وَالْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ (وسوكند ميخورم بخداي فَقَسَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ (لَاحِقًا) ؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ وَمَعْنَاهُ أَفْعَلُ هَذَا لَا مَحَالَةَ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَوْ قَالَ: وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا.
(وَ) لَا (حَقِّ اللَّهِ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إذَا أُضِيفَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَيَكُونُ يَمِينًا بِغَيْرِ اللَّهِ.
(وَ) لَا (حُرْمَتِهِ) إذْ لَا يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا (وسوكند خورم بخداي) قِيلَ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ (أَوْ) يَقُولُ سوكند خورم (بِطَلَاقِ زن) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَقَوْلُهُ أَوْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَفْظَةَ يَا الْفَارِسِيَّةَ الْوَاقِعَةَ فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ مَكَانَ أَوْ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَتَدَبَّرْ.
(وَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ أَوْ سَخَطُهُ أَوْ لَعْنَتُهُ أَوْ فَأَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبٌ خَمْرًا أَوْ آكِلٌ رِبًا فَإِنَّ كُلًّا) مِنْهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ.
(وَحُرُوفُهُ) أَيْ حُرُوفُ الْقَسَمِ (الْوَاوُ) نَحْوَ وَاَللَّهِ (وَالْبَاءُ) نَحْوَ بِاَللَّهِ (وَالتَّاءُ) نَحْوَ تَاللَّهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ.
(وَ) قَدْ (تُضْمَرُ) الْحُرُوفُ فَيَكُونُ حَالِفًا (كَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُهُ) فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ لِلْإِيجَازِ ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَقِيلَ يُخْفَضُ لِيَدُلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ.
ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مُوجِبِ الْيَمِينِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُوجَبِهَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لَكِنَّهَا مُوجَبُهَا عِنْدَ الِانْقِلَابِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تُشْرَعْ لِلْكَفَّارَةِ بَلْ تَنْقَلِبُ إلَيْهَا عِنْدَ الِانْتِقَاضِ بِالْحِنْثِ، فَقَالَ (وَكَفَّارَتُهُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَمَا هُمَا فِي الظِّهَارِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا ثَمَّةَ (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) بِحَيْثُ يَكُونُ (لِكُلٍّ) مِنْ تِلْكَ الْعَشَرَةِ (ثَوْبٌ يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ فَلَمْ يَجُزْ السَّرَاوِيلُ) ؛ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا فِي الْعُرْفِ (هُوَ الصَّحِيحُ) الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَدْنَاهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ (وَقْتَ الْأَدَاءِ) أَيْ وَقْتَ إرَادَةِ الْأَدَاءِ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَاءً) ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89]
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ) قَالَ الْكَمَالُ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَحْلِفُ الْآنَ بِاَللَّهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا حَقًّا) يُشِيرُ إلَى رَدِّ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ إسْمَاعِيل الزَّاهِدِ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمِينٌ إنْ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ، وَالْحَقُّ يَكُونُ يَمِينًا) قَدَّمَهُ مَتْنًا (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ يَمِينًا بِغَيْرِ اللَّهِ) أَيْ فَلَا يَنْعَقِدُ.
[حُرُوفُ الْقَسَمِ]
(قَوْلُهُ: وَحُرُوفُهُ الْوَاوُ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالُوا الْبَاءُ هِيَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهَا صِلَةُ الْحَلِفِ ثُمَّ الْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا لِمُنَاسَبَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ وَهِيَ مَا فِي الْإِلْصَاقِ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَاوِ فَلِكَوْنِهَا بَدَلًا انْحَطَّتْ عَنْهَا بِدَرَجَةٍ فَدَخَلَتْ عَلَى الْمُظْهَرِ لَا الْمُضْمَرِ، وَالتَّاءُ بَدَلٌ عَنْ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ) أَيْ يُنْصَبُ الِاسْمُ، وَهُوَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَقِيلَ يُخْفَضُ وَهُوَ قَلِيلٌ شَاذٌّ فِي غَيْرِ الْقَسَمِ وَحُكِيَ الرَّفْعُ أَيْضًا نَحْوَ: اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ عَلَى إضْمَارِ مُبْتَدَأٍ أَوْ خَبَرٍ وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ فَهُوَ أَوْلَى بِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً، وَالتَّقْدِيرُ اللَّهُ قَسَمِي أَوْ قَسَمِي اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ، كَذَا فِي الْبُرْهَانِ، وَالْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: لِكُلٍّ ثَوْبٌ يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ) هُوَ اللَّازِمُ، وَالْأَفْضَلُ كِسْوَةُ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هَذَا إذَا دَفَعَ إلَى الرَّجُلِ أَمَّا إذَا دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ خِمَارٍ مَعَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَا تَصِحُّ دُونَهُ قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا يُشَابِهُ الرِّوَايَةَ الَّتِي عَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَفْعِ السَّرَاوِيلِ أَنَّهُ لِلْمَرْأَةِ لَا يَكْفِي، وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْجَوَابِ وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْجَوَابِ مَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الْمُكْتَسِي وَيَنْتَفِي عَنْهُ اسْمُ الْعُرْيَانِ وَعَلَيْهِ بُنِيَ عَدَمُ إجْزَاءِ السَّرَاوِيلِ لَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْأَمْرِ بِالْكِسْوَةِ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا جَعْلُ الْفَقِيرِ مُكْتَسِيًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا وَإِزَارًا وَخِمَارًا عَلَى رَأْسِهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةٌ وَمَعَ هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْعِبْرَةُ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الِاسْمِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ أَوْ لَا اهـ.
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا يُغَطِّي رَأْسَ الرَّجُلِ نَصًّا (قَوْلُهُ: فَلَمْ تَجُزْ السَّرَاوِيلُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ مَا لَا يَجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ يَجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا) شَرَطَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ إلَّا مِمَّنْ عَجَزَ عَمَّا سِوَى الصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يَمْلِكُ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ أَوْ يَمْلِكُ بَدَلَهُ فَوْقَ الْكَفَافِ، وَالْكَفَافُ مَنْزِلٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يَلْبَسُهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَقُوتُ يَوْمِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ لِخِدْمَتِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقْتَ الْأَدَاءِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى عِنْدَنَا عِنْدَ إرَادَةِ التَّكْفِيرِ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ وَقْتُ الْوُجُوبِ حَتَّى تَنَصَّفَ بِالرِّقِّ، كَمَا فِي الْفَتْحِ