نَقُولُ تَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ (وَقَضَى بَدَلَهُ مِنْهُ وَحَكَمَ بِمَوْتِهِ حُرًّا، وَالْإِرْثِ مِنْهُ وَعِتْقِ بَنِيهِ سَوَاءٌ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ أَوْ شَرَاهُمْ حَالَ كِتَابَتِهِ أَوْ كُوتِبَ هُوَ وَابْنُهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا بِمَرَّةٍ) أَيْ بِكِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَتْبَعُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَبِعِتْقِهِ عَتَقُوا (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَمَنْ وُلِدَ فِي كِتَابَتِهِ يَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ وَبِأَدَائِهِ حُكِمَ بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبِعِتْقِهِ) أَيْ عِتْقِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ، وَكَسْبُهُ كَكَسْبِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً.
(تَرَكَ وَلَدًا شَرَاهُ فِيهَا) أَيْ فِي كِتَابَتِهِ (أَدَّى) الْوَلَدُ (الْبَدَلَ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا) عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُؤَدِّيهِ إلَى أَجَلِهِ اعْتِبَارًا بِالْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَلَهُ أَنَّ الْأَجَلَ ثَبَتَ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ فَيَدْخُلُ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ، وَالْمُشْتَرَى لَمْ يَدْخُلْ إذْ لَمْ يُضَفْ إلَى الْعَقْدِ وَلَمْ يَسْرِ حُكْمُهُ إلَيْهِ لِانْفِصَالِهِ بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ وَقْتَهَا فَيَسْرِي الْحُكْمُ إلَيْهِ وَإِذَا دَخَلَ فِي حُكْمِهِ سَعَى عَلَى نُجُومِهِ.
(تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ وَدَيْنًا يَفِي بِالْبَدَلِ فَجَنَى الْوَلَدُ وَقُضِيَ بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ (عَلَى عَاقِلَةِ أُمِّهِ لَمْ يَكُنْ تَعْجِيزًا لِأَبِيهِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرَّرُ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابَ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ فَيَنْجَرُّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرِّرُ حُكْمَهُ لَا يَكُونُ تَعْجِيزًا وَإِنَّمَا قَالَ وَدَيْنًا يَفِي؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَيْنًا لَا يَتَأَتَّى الْقَضَاءُ بِالْإِلْحَاقِ بِالْأُمِّ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ (وَإِنْ اخْتَصَمَ قَوْمُ أُمِّهِ وَأَبِيهِ فِي وَلَائِهِ فَقُضِيَ بِهِ لِقَوْمِ أُمِّهِ فَهُوَ تَعْجِيزٌ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقَضَاءِ بِكَوْنِ وَلَاءِ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ أَنَّ الْأَبَ مَاتَ رَقِيقًا وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ.
(طَابَ لِمَوْلَاهُ صَدَقَةٌ أَدَّاهَا إلَيْهِ فَعَجَزَ) يَعْنِي أَنَّ مَوْلَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَصْرِفًا لِلصَّدَقَةِ زَكَاةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، فَأَخَذَ الْمُكَاتَبُ الزَّكَاةَ مَثَلًا لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَصَارِفِ وَأَدَّاهُ إلَى الْمَوْلَى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ عَجَزَ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَوْلَى أَخَذَ الزَّكَاةَ غَنِيًّا وَمَعَ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ زَمَانَ الْأَخْذِ، وَالْعَبْدُ قَدْ أَخَذَهُ صَدَقَةً وَمِنْ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ تَبَدُّلِ الذَّاتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَرِيرَةَ هِيَ لَك صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ.
(جَنَى) الْمُكَاتَبُ (جِنَايَةً أَوْ جِنَايَاتٍ خَطَأً كَانَ عَلَيْهِ حَالًّا) أَيْ عَلَى الْمُكَاتَبِ (فِي كَسْبِهِ) لَا عَلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى رَقَبَةً وَذَاتًا حُرٌّ يَدًا وَتَصَرُّفًا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً يَكُونُ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حُرٌّ يَدًا وَكَسْبًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَوْلَى فَجُعِلَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ حَتَّى يَكُونَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ لَهُمَا حَقًّا فِي أَكْسَابِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ دَفْعُهُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَهِيَ حَقُّهُمَا فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ فِي مَالِهِمَا (الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ) ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ لَكِنْ تَعَذَّرَ دَفْعُهُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَلَوْ كَانَ مُمْكِنَ الدَّفْعِ يَتَخَلَّصُ الْمَوْلَى بِدَفْعِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعِتْقِ بَنِيهِ) لَوْ قَالَ وَلَدَهُ كَالْكَنْزِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْبَنَاتَ (قَوْلُهُ: وَبِأَدَائِهِ حُكِمَ بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبِعِتْقِهِ) كَذَا جَعَلَ الْعِتْقَ مُسْتَنِدًا صَاحِبُ الْكَنْزِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ وَأُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَإِنْ مَاتَ لَا عَنْ وَفَاءٍ لَكِنْ تَرَكَ وَلَدًا وُلِدَ فِي الْكِتَابَةِ وَسَعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ وَأَدَّى لَا يَسْتَنِدُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ اهـ.
وَيُنْظَرُ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا رَضِيعًا أَوْ لَمْ يَصِلْ لِقُدْرَةِ الْكَسْبِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: تَرَكَ وَلَدًا اشْتَرَاهُ فِيهَا إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَالِدَيْنِ لَيْسَا كَالْوَلَدِ فَيُبَاعَانِ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا يَسْعَى عَلَى نُجُومِ الْمُكَاتَبِ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ، كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ عَيْنًا يَعْنِي يَفِي بِالْبَدَلِ لِتَعْلِيلِهِ بِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ.
تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ وَدَيْنًا يَفِي بِالْبَدَلِ فَجَنَى الْوَلَدُ وَقُضِيَ بِهِ أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى عَاقِلَةِ أُمِّهِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى نُفُوذِ الْقَضَاءِ وَلُزُومِهِ وَذَلِكَ لِصِيَانَةِ الْقَضَاءِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَفِي صِيَانَتِهِ بُطْلَانُ مَا يَجِبُ رِعَايَتُهُ وَهُوَ الْكِتَابَةُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُكَاتَبِ وَلَيْسَ حَدُّ الْبُطْلَانِ أَرْجَحَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ نَفَذَ بِالْإِجْمَاعِ وَصِيَانَةُ مَا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ صِيَانَةِ كِتَابَةٍ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي بَقَائِهَا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
(قَوْلُهُ: طَابَ لِمَوْلَاهُ صَدَقَةٌ أَدَّاهَا إلَيْهِ فَعَجَزَ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا يَطِيبُ لِلسَّيِّدِ مَا يَجِدُهُ فِي يَدِ عَبْدِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ بَعْدَ الْعَجْزِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا طَابَ مَا أَخَذَهُ الْفَقِيرُ صَدَقَةً ثُمَّ اسْتَغْنَى أَوْ تَرَكَهُ لِوَارِثِهِ الْغَنِيِّ وَمَا أَخَذَهُ ابْنُ السَّبِيلِ ثُمَّ وَصَلَ إلَى مَالِهِ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَبَدَّلْ كَمَا إذَا أَبَاحَ الْفَقِيرُ لِلْغَنِيِّ أَوْ الْهَاشِمِيِّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَحِلُّ أَوْ أَبَاهُ مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا لَا يَطِيبُ بِالْإِبَاحَةِ وَلَوْ مَلَكَهُ يَطِيبُ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ: الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ) هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: الْجِنَايَةُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْقِيمَةِ وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِيمَةُ لَا الْأَقَلُّ مِنْهَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ، وَالْمَبْسُوطِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ