(وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُمَا مُضَارِبٌ وَشَرِيكٌ) شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ أَوْ عَنَانٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إلَّا التِّجَارَةَ، وَالتَّزْوِيجُ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَا مِنْهَا (وَيَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ مِنْ بَيْنِهِمَا وِلَادٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَهْلٌ لَأَنْ يُكَاتِبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْعِتْقِ فَيُجْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمْ مُكَاتَبًا مَعَهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَأَقْوَاهُمْ دُخُولًا الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي كِتَابَتِهِ ثُمَّ الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى ثُمَّ الْأَبَوَانِ وَلِهَذَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْمَوْلُودَ فِي كِتَابَتِهِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أَبِيهِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً سَعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ، وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ حَالًّا وَإِلَّا رُدَّ إلَى الرِّقِّ، وَالْوَالِدَانِ يُرَدَّانِ إلَى الرِّقِّ لَوْ مَاتَ وَلَا يُؤَدِّيَانِ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ، وَالْبَعْضِيَّةُ الثَّابِتَةُ حَقِيقَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ وَبِالْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا فِي حَقِّ الْعَقْدِ لَا حَقِيقَةً فِي حَقِّهِ إذْ لَا بَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَالْوَالِدَانِ تَبَعِيَّتُهُمَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَا الْبَعْضِيَّةِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِبَعْضٍ لَهُ فَاخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ لِذَلِكَ (لَا غَيْرُ وَلَوْ مُحَرَّمًا كَالْأَخِ وَالْعَمِّ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ يَشْمَلُ الْقَرَابَةَ الْمَحْرَمِيَّةَ وَلِهَذَا يَعْتِقُ عَلَى الْحُرِّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُمْ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إذَا سَرَقَ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَهُ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا لَا مِلْكًا حَقِيقَةً لِوُجُودِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ الرِّقُّ وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ كَنْزًا إلَّا أَنَّ الْكَسْبَ يَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي الْوِلَادِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ يُخَاطَبُ بِنَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَلَا يُكَلَّفُ فِي غَيْرِهِمَا حَتَّى لَا يُخَاطَبُ الْأَخُ بِنَفَقَةِ أَخِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَالدُّخُولُ فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فَيَخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِمَحِلِّهِ (حَتَّى جَازَ لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ (بَيْعُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُمْ لِيَمْتَنِعَ بَيْعُهُمْ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ (إذَا أَدَّى الْبَدَلَ عَتَقُوا) ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَتَقَرَّرَ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَعْجَزَ فَيَتَقَرَّرَ لِلْمَوْلَى وَهَاهُنَا تَقَرَّرَ لَهُ فَعَتَقُوا عَلَيْهِ (وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ ابْتِدَاءً.
(اشْتَرَى) الْمُكَاتَبُ (أُمَّ وَلَدِهِ لَوْ) كَانَتْ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ وَلَدِهَا (لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِمَا ذُكِرَ فَتَبِعَتْهُ أُمُّهُ فَامْتَنَعَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مَعَهَا (جَازَ) أَيْ بَيْعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ جَوَازُ بَيْعِهَا وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا بِتَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِلْحَدِيثِ وَبِدُونِ الْوَلَدِ لَوْ ثَبَتَ ثَبَتَ ابْتِدَاءً، وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ. .
(زَوَّجَ) الْمُكَاتَبُ (أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَكَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ) وَلَدًا (دَخَلَ) أَيْ الْوَلَدُ (فِي كِتَابَتِهَا وَكَسْبُهُ لَهَا) ؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ كَمَا مَرَّ.
(مُكَاتَبٌ أَوْ مَأْذُونٌ نَكَحَ بِالْإِذْنِ حُرَّةً) لَا فِي الْوَاقِعِ بَلْ (بِزَعْمِهَا) حَيْثُ قَالَتْ: أَنَا حُرَّةٌ (فَوَلَدَتْ الْمَنْكُوحَةُ) وَلَدًا (فَاسْتُحِقَّتْ فَوَلَدُهَا عَبْدٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حُرٌّ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ الْحُرَّ فِي سَبَبِ ثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ وَهُوَ الْغُرُورُ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِي نِكَاحِهَا إلَّا لِيَنَالَ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ وَلَدٌ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَيَكُونُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُمَا) أَيْ التَّزْوِيجِ، وَالْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ: وَيَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ مِنْ بَيْنِهِمَا وِلَادٌ) هُمْ الْأُصُولُ وَإِنْ عَلَوْا، وَالْفُرُوعُ لَهُ وَإِنْ سَفَلُوا (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَحْكَامِ) مِنْهَا أَنَّ الْمَوْلَى لَا يُطَالِبُ مَنْ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعًا بَلْ مَقْصُودًا وَلَا يُطَالِبُ التَّبَعَ حَالَ قِيَامِ الْمَتْبُوعِ (قَوْلُهُ: وَالْوَالِدَانِ يُرَدَّانِ إلَى الرِّقِّ كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَا يُؤَدِّيَانِ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا) ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْعِنَايَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ يُقَالُ لِلْوَلَدِ الْمُشْتَرَى أَوْ لِلْوَالِدَيْنِ إمَّا أَنْ تُؤَدُّوا الْكِتَابَةَ حَالًا وَإِلَّا رَدَدْنَاكُمْ فِي الرِّقِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ اهـ.
لَكِنْ تَنْتَفِي الْمُخَالَفَةُ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَيُحْمَلُ غَيْرُهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَسَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَقَالَا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ) أَيْ وَيَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ عِنْدَهُمَا، كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
(قَوْلُهُ: زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ) هَكَذَا فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْمُكَاتَبِ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ لَيْسَ مُفِيدًا صِحَّةَ عَقْدِهِ وَمِلْكَهُ إيَّاهُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ عَامٌّ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ وَدُخُولَ الْوَلَدِ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ لِلشُّبْهَةِ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَكَمَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ التَّسَرِّي وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ وَطِئَ أَمَةً اشْتَرَاهَا فَادَّعَى وَلَدَهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ دُونَ أُمِّهِ، كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُنَا كَسْبُهُ لِأُمِّهِ لِكَوْنِهِ جُزْءًا لَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ تَزْوِيجُ الْمُكَاتَبِ عَبْدَهُ كَتَزَوُّجِهِ يَكُونُ مَوْقُوفًا إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ صُدُورِهِ وَتَزْوِيجُهُ هُوَ لَهُ مُجِيزٌ وَهُوَ الْمَوْلَى الْحُرُّ فَصَارَ تَزْوِيجُهُ كَهِبَتِهِ الْكَثِيرَ،.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: هِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ غَيْرُ الْيَسِيرِ لَا تَصِحُّ فَيَسْتَرِدُّهُ بَعْدَ عِتْقِهِ إذْ لَا مُجِيزَ لَهُمَا حَالَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.