لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ إحْدَى أَمَتَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَوْ وَهَبَ أَحَدَهُمَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَسَلَّمَ فَكُلُّ ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْآخَرُ فَإِنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ الْإِنْشَاءُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ، وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَالْهِبَةُ بِالتَّسْلِيمِ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ (لَا وَطْءَ فِيهِ) أَيْ لَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا فِي عِتْقٍ مُبْهَمٍ يَعْنِي لَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بَيَانٌ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَصَارَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ دَلِيلَ الِاسْتِبْقَاءِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ فِيهِمَا وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُمَا وَكَانَ لَهُ الْأَرْشُ إذَا جُنِيَ عَلَيْهِمَا، وَالْمَهْرُ إذَا وُطِئَتَا بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ مُعَلَّقٌ بِالْبَيَانِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ قَبْلَهُ.
(وَبِالْأَوَّلِ وَلَدٌ) أَيْ بِقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ أَوَّلُ وَلَدٍ (تَلِدِينَهُ لَوْ) كَانَ (ابْنًا) إشَارَةٌ بِزِيَادَةِ لَوْ فِي الْعِبَارَةِ إلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ لَا تَسْتَقِيمُ بِدُونِهَا (فَأَنْتِ حُرَّةٌ إنْ وَلَدْت ابْنًا وَبِنْتًا وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَ) نِصْفُ (الْبِنْتِ، وَالِابْنُ عَبْدٌ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ يَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، الْأُمُّ بِالشَّرْطِ وَالْبِنْتُ بِتَبَعِيَّتِهَا لِكَوْنِهَا حُرَّةً حِينَ وَلَدَتْهَا، وَتُرَقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْبِنْتَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ وَأَمَّا الِابْنُ فَيُرَقُّ فِي الْحَالَيْنِ.
(شَهِدَا) أَيْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى زَيْدٍ (بِعِتْقِ أَحَدِ مَمْلُوكَيْهِ) عَبْدَيْنِ كَانَا أَوْ أَمَتَيْنِ (لَغَتْ الشَّهَادَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَلَا دَعْوَى مِنْهُ هَاهُنَا لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى فَلَا تَلْغُو.
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي حَقِّ الْأَمَةِ لَكِنْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ مَرْدُودَةٌ، كَمَا فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ) شَهَادَتُهُمَا (فِي وَصِيَّةٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ) أَيْ وَلَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُلْتَزَمِ بِقَوْلِهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، فَإِنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيقٌ كَامِلٌ بِالْبَيَانِ، وَبِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لَمْ يَبْقَ عِتْقُهُ عِتْقًا كَامِلًا لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لَا وَطْءَ فِيهِ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ عُلُوقٌ أَمَّا لَوْ عَلِقَتْ عَتَقَتْ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا بَيَانٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ عُلُوقٌ وَبِهِ يُفْتَى، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ: أَشَارَ بِزِيَادَةِ لَوْ فِي الْعِبَارَةِ. . . . إلَخْ) قِيلَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ جُمْلَةَ تَلِدِينَهُ ابْنًا وَقَعَتْ صِفَةً لِوَلَدٍ فَيَنْحَلُّ الْكَلَامُ إلَى قَوْلِك: أَوَّلُ وَلَدٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَانْظُرْ هَلْ لِقَوْلِك فَأَنْتِ حُرَّةٌ ارْتِبَاطٌ بِمَا قَبْلَهُ بِوَجْهٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُدِّرَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ كَإِنْ وَلَوْ فَقُلْت أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ إنْ ابْنًا لَوْ ابْنًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنَّهُ يَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى الْجَزَائِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَلُّ إلَى قَوْلِك: أَوَّلُ وَلَدٍ مَوْصُوفٍ بِالْوِلَادَةِ إنْ كَانَ ابْنًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا قِيلَ وَجْهُ الْفَسَادِ إنْ كَانَ عَدَمُ وُجُودِ الرَّابِطِ فِي جُمْلَةِ الْخَبَرِ فَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ تَقْدِيرُهُ كَعِنْدِ وِلَادَتِهِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ وُجُودُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ فَقَدْ يَجُوزُ دُخُولُهُ عَلَى قِلَّةٍ وَقَائِلَةُ خَوْلَانَ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمُبْتَدَأُ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِجُمْلَةٍ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَحِلِّهِ هَذَا مَا تَيَسَّرَ لِي اهـ.
قَالَهُ فَاضِلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي حُكْمِهِ بِالسُّقُوطِ بِمَا ذَكَرَهُ تَأَمُّلٌ.
(قَوْلُهُ: عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْأُنْثَى) هَذَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْمَوْلُودِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا مَا تَقَدَّمَ ثَانِيهَا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْغُلَامِ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ، وَالْبِنْتُ دُونَهُ، ثَالِثُهَا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْبِنْتِ فَلَا يَعْتِقُ أَحَدٌ، رَابِعُهَا أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَوَّلِيَّةَ الْغُلَامِ وَالْبِنْتُ صَغِيرَةٌ وَيُنْكِرَ الْمَوْلَى فَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمَا، خَامِسُهَا: أَنْ تُقِيمَ الْأَمُّ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَوَّلِيَّتِهِ فَتَعْتِقَا، سَادِسُهَا: أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْكُلَ عَلَى الْيَمِينِ فَتَعْتِقَا، سَابِعُهَا: أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَوَّلِيَّةَ الْغُلَامِ وَالْبِنْتُ كَبِيرَةٌ وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا مِنْ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا، وَيَنْكُلَ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ خَاصَّةً، ثَامِنُهَا: أَنْ تُقِيمَ الْأُمُّ بَيِّنَةً وَالْبِنْتُ سَاكِتَةٌ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ دُونَهَا، تَاسِعُهَا: أَنْ تَدَّعِيَا أَوَّلِيَّتَهُ وَيَنْكُلَ فَتَعْتِقَا.
عَاشِرُهَا: أَنْ يُقِيمَا بَيِّنَةً بِأَوَّلِيَّةٍ فَتَعْتِقَا، حَادِيَ عَشَرَهَا أَنْ تُقِيمَ الْبِنْتُ بَيِّنَةً بِأَوَّلِيَّتِهِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ فَتَعْتِقُ دُونَهَا ثَانِيَ، عَشَرَهَا أَنْ تَدَّعِيَ كَذَلِكَ وَيَنْكُلَ فَتَعْتِقُ دُونَ أُمِّهَا كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ الْبُرْهَانِ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ: عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ) كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَالْمَذْكُورُ لِمُحَمَّدٍ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدَةٍ وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ وَحَقِيقَتُهُ إبْطَالُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَرِدْ عَنْهُمَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ تُخَالِفُ ذَلِكَ الْجَوَابَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى زَيْدٍ بِعِتْقِ أَحَدِ مَمْلُوكَيْهِ لَغَتْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ تُقْبَلُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلشُّيُوعِ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ نَصَّ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا جَعَلَهُ شَارِحُ الْهِدَايَةِ وَجْهًا لِقَبُولِهَا حَالَ الْحَيَاةِ، وَقَدْ بَيَّنْته بِرِسَالَةٍ مُهِمَّةٍ.