أُمِّهِ إنْ كَانَا فِي مِلْكِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَالْحَضَانَةُ لِأَقْرِبَائِهِ الْأَحْرَارِ، وَإِذَا عَتَقَا كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي أَوْلَادِهِمَا الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمَا وَأَوْلَادَهُمَا أَحْرَارٌ حَالَ ثُبُوتِ الْحَقِّ.
(الذِّمِّيَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ) يَعْنِي أَنَّهَا أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ (حَتَّى يَعْقِلَ) أَيْ الْوَلَدُ (دِينًا) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تُبْتَنَى عَلَى الشَّفَقَةِ وَهِيَ أَشْفَقُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهَا أَنْظَرَ لَهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ دِينًا فَإِذَا عَقَلَ يُنْزَعُ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ (أَوْ يُخَافَ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ) فَإِنَّ تَأَلُّفَ الْكُفْرِ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ تَعَقُّلِ الدِّينِ فَإِذَا خِيفَ هَذَا يُنْزَعُ أَيْضًا مِنْهَا.
(يَسْقُطُ حَقُّهَا) أَيْ حَقُّ الْحَضَانَةِ أُمًّا كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا كَالْجَدَّةِ (بِنِكَاحِ غَيْرِ مَحْرَمٍ) أَيْ مَحْرَمِ الْوَلَدِ لِانْتِقَاصِ الشَّفَقَةِ حَتَّى إذَا نَكَحَتْ مَحْرَمَهُ لَا تَسْقُطُ كَأُمٍّ نَكَحَتْ عَمَّهُ وَجَدَّةٍ جَدَّهُ (وَيَعُودُ) أَيْ حَقُّهَا (بِالْفُرْقَةِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ إذَا زَالَ عَادَ الْمَمْنُوعُ.
(طَلَبَتْ) الْأُمُّ (أَجْرًا فَلَوْ) طَلَبَتْ (فِي النِّكَاحِ، أَوْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَمْ تَسْتَحِقَّ) الْأَجْرَ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا دَيْنًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ لَكِنَّهَا عُذِرَتْ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا، فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ ظَهَرَ قُدْرَتُهَا فَكَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ (وَلَوْ) طَلَبَتْ (بَعْدَ عِدَّةٍ، أَوْ فِيهَا) لَكِنْ (لِابْنِهِ مِنْ غَيْرِهَا تَسْتَحِقُّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ فَصَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا.
اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّ أَوْلَى بِإِرْضَاعِ الْوَلَدِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَنْظَرُ لِلصَّبِيِّ، وَفِي الْأَخْذِ مِنْهَا إضْرَارٌ بِهِ فَإِنْ الْتَمَسَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ الْأَبُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَيْ لَا تُضَارَّ هِيَ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا وَلَا يُضَارَّ هُوَ بِإِلْزَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَإِنْ رَضِيَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَنْ تُرْضِعَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ، أَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَالْأُمُّ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ هُنَا أَوْلَى لِمَا قُلْنَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
(وَفِي الْمَبْتُوتَةِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ جَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَالْتَحَقَتْ بِالْأَجَانِبِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَالشَّهَادَةُ لَهَا.
(قَالَ الْأَبُ: أَجِدُ مُرْضِعَةً بِلَا أَجْرٍ) حِينَ قَالَتْ الْأُمُّ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَا أُرْضِعُهُ إلَّا بِأَجْرٍ (أَوْ بِالْأَقَلِّ) حِينَ قَالَتْ لَا أُرْضِعُهُ إلَّا بِكَذَا (لَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ وَلَكِنْ تُرْضِعُ الظِّئْرُ) الطِّفْلَ (فِي بَيْتِهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) رِعَايَةً لِلطَّرَفَيْنِ.
(لَا تُدْفَعُ صَبِيَّةٌ إلَى عَصَبَةٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ كَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنِ الْعَمِّ) لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ (مَعَ وُجُودِ مَحْرَمٍ غَيْرِ عَصَبَةٍ كَالْخَالِ) لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ (وَلَا) تُدْفَعُ أَيْضًا (إلَى فَاسِقٍ مَاجِنٍ) وَهُوَ مَنْ لَا يُبَالِي بِمَا يَصْنَعُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَاشَى عَنْ الْفَسَادِ (لَا يُخَيَّرُ طِفْلٌ) بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ إذَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ وَيُسَلَّمُ إلَى مَنْ يَخْتَارُهُ.
(الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِالصَّبِيِّ مِنْ أَبِيهِ (حَتَّى يَسْتَغْنِيَ) عَنْ الْغَيْرِ بِأَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَلْبَسَ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى يَحْتَاجُ إلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّخَلُّقِ بِآدَابِ الرِّجَالِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ.
(وَقُدِّرَ) الِاسْتِغْنَاءُ (بِسَبْعِ سِنِينَ) قَدَّرَهُ الْخَصَّافُ (وَبِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَ) الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ (بِهَا) أَيْ بِالصَّبِيَّةِ مِنْ الْأَبِ (حَتَّى تَحِيضَ) لِأَنَّهَا بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ، وَالْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ وَبَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي الْبُرْهَانِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي دَرَجَةٍ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ: يَسْقُطُ حَقُّهَا) أَيْ حَقُّ الْحَضَانَةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حَقُّ الْحَاضِنَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أُمًّا كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا.
(قَوْلُهُ: وَيَعُودُ بِالْفُرْقَةِ) هَذَا مِنْ قَبِيلِ زَوَالِ الْمَانِعِ لَا عَوْدِ السَّاقِطِ وَقَوْلُهُمْ سَقَطَ حَقُّهَا مَعْنَاهُ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْهُ كَالنَّاشِزَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا، ثُمَّ يَعُودُ بِعَوْدِهَا لِمَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا لَا حَقَّ لَهَا مَا دَامَتْ عِدَّتُهَا قَائِمَةً.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ عِدَّةٍ تَسْتَحِقُّ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ غَيْرُ نَفَقَةِ الْوَلَدِ لِلْعَطْفِ وَهُوَ لِلْمُغَايَرَةِ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ ثَلَاثَةٌ؛ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ، وَأُجْرَةُ الْحَضَانَةِ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمَبْتُوتَةِ رِوَايَتَانِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ تُرْضِعُ الظِّئْرُ الطِّفْلَ فِي بَيْتِهَا) أَيْ بَيْتِ الْأُمِّ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ فِيمَا قَدَّمَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ شَرْحًا وَكَانَ يُغْنِيهِ هَذَا عَنْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: لَا يُخَيَّرُ طِفْلٌ) كَذَا مَعْتُوهٌ وَيَكُونُ عِنْدَ الْأُمِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَقُدِّرَ بِسَبْعِ سِنِينَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ: ابْنُ سَبْعٍ وَقَالَتْ: ابْنُ سِتٍّ لَا يُحَلِّفُ الْقَاضِي أَحَدَهُمَا وَلَكِنْ يَنْظُرُ إنْ كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَلْبَسُ وَحْدَهُ دُفِعَ لِلْأَبِ، وَإِلَّا فَلَا