قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] .

(وَفِيمَنْ حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ عِدَّةُ الْمَوْتِ) لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَقْتَ مَوْتِ الصَّبِيِّ تَعَيَّنَ عِدَّةُ الْمَوْتِ (وَلَا نَسَبَ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا حَبِلَتْ قَبْلَ مَوْتِ الصَّبِيِّ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُلُوقُ وَالنِّكَاحُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي مَوْضِعِ التَّصَوُّرِ.

(وَفِي) حَقِّ (امْرَأَةِ الْفَارِّ لِلْبَائِنٍ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَهِيَ ثَلَاثُ حِيَضٍ مَثَلًا وَلَمْ يَنْقَضِ عِدَّةُ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَتَرَبَّصَ انْقِضَاءَ عِدَّةِ الْمَوْتِ، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمَوْتِ دُونَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ تَتَرَبَّصُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ (وَلِلرَّجْعِيِّ مَا لِلْمَوْتِ) لِأَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا حُكْمًا إلَى الْوَفَاةِ؛ إذْ لَا إرْثَ لَهَا إلَّا بِهِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ الشَّكِّ دُونَ الْإِرْثِ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا.

(وَفِيمَنْ) أَيْ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ أَمَةٍ (أُعْتِقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ كَعِدَّةِ حُرَّةٍ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ فِي الرَّجْعِيِّ فَوَجَبَ انْتِقَالُ عِدَّتِهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ.

(وَ) الْعِدَّةُ فِي حَقِّ أَمَةٍ أُعْتِقَتْ (فِي عِدَّةِ بَائِنٌ، أَوْ مَوْتٍ كَأَمَةٍ) أَيْ كَعِدَّةِ أَمَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْمِلْكِ النَّاقِصِ لَا يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ فَلَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا.

(آيِسَةٌ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ عِدَّةِ الْأَشْهُرِ تَسْتَأْنِفُ بِالْحَيْضِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ آيِسَةً فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ عَلَى عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ هُوَ الصَّحِيحُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلَفًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِيَّةِ تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَقَبْلَ انْقِضَائِهَا بِهَا كَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ وَالصَّوَابُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا بِهَا (كَمَا تَسْتَأْنِفُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ أَيْضًا احْتِيَاطًا، وَفِي قَاضِي خَانْ: فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا أَكْثَرُ الْوَلَدِ قَالُوا: إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا يَنْقَطِعُ حَقُّ الرَّجْعَةِ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ احْتِيَاطًا اهـ.

وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَدَتْ بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَوْ طَلَبَ يَمِينَهَا بِاَللَّهِ لَقَدْ أَسْقَطْتُ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ حُلِّفَتْ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا نَسَبَ فِيهِمَا. . . إلَخْ) الْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَاهِقًا وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْهُ كَمَا فِي النَّهْرِ وَيُعْلَمُ وَقْتُ الْحَمْلِ بِالْوَضْعِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِلَّا فَبَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: وَلِلرَّجْعِيِّ مَا لِلْمَوْتِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلْبَائِنِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِامْرَأَةِ الْفَارِّ وَلَا يَصِحُّ هُنَا إطْلَاقُ الْفَارِّ عَلَى الْمُطَلِّقِ رَجْعِيًّا وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ صَحِيحًا حُكْمًا لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ رَجْعِيًّا - وَزَوْجُهَا مَرِيضٌ - فَانْقَضَى لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَهُوَ حَيٌّ لَا تَرِثُهُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ حَيْضِهَا وَهَذَا خَطَأٌ بَاطِلٌ لِبَقَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَقَدْ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ لَا بُدَّ مِنْ انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهَا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَهُوَ حَيٌّ وَلَمْ تَمْضِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ تَرِثُ مِنْهُ وَقَدْ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً وَهُوَ غَيْرُ فَارٍّ وَهَذَا خَطَأٌ أَيْضًا، وَأَمَّا إذَا مَاتَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا بِالْحَيْضِ شَيْءٌ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يَمُوتُ زَوْجُهَا الْفَارُّ فِي عِدَّتِهَا، وَالْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا لَيْسَ زَوْجُهَا فَارًّا وَعِدَّتُهَا بِحَسَبِ حَالِهَا إنْ كَانَتْ تَحِيضُ فَبِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَإِلَّا فَبِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلِلْحَامِلِ وَضْعُهُ، وَقَدْ وَقَعَ الْإِيهَامُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ كَالْكَافِي وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْأَكْمَلِ فَاجْتَنِبْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَيَّدْنَا طَلَاقَهَا بِالْبَيْنُونَةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ اتِّفَاقًا اهـ.

وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مُحَقِّقٌ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا فَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ هَذَا إذَا مَاتَ وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ زَوْجَةٌ وَعَلَى الزَّوْجَةِ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُنْقَضِيَةً فَلَمْ تَكُنْ زَوْجَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِمَوْتِهِ شَيْءٌ وَلَا تَرِثُ اهـ فَاغْتَنِمْهُ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا حُكْمًا. . . إلَخْ) لَيْسَ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ وَلِلرَّجْعِيِّ مَا لِلْمَوْتِ بَلْ لِقَوْلِهِ لِلْبَائِنِ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُعَدَّدُ يَعْنِي مَنْ أَبَانَهَا عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَذَكَرَ وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا حُكْمًا إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الرَّجْعِيِّ قَائِمٌ حَقِيقَةً إلَيْهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ: فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا حَيْثُ شَبَّهَ الْمُبَانَةَ بِهَا فَتَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ انْقِضَاءُ مَا بَقِيَ مِنْ حَيْضِهَا فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا انْقِضَاءَ لِعِدَّتِهَا حَتَّى تَحِيضَ مَا بَقِيَ بَعْدَ مُضِيِّ عِدَّةِ الْوَفَاةِ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ عَلَى عَادَتِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الدَّمُ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ فَلَوْ كَانَ أَصْفَرَ، أَوْ أَخْضَرَ، أَوْ تُرَابِيَّةً لَا يَكُونُ حَيْضًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ هُوَ الصَّحِيحُ) وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْقَوْلُ بِالِانْتِقَاضِ مُطْلَقًا أَيْ فِيمَا مَضَى، وَفِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَصَحَّحَ فِي النَّوَازِلِ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ فِيمَا مَضَى فَلَا تَفِدُ الْأَنْكِحَةُ الْمُبَاشَرَةُ بِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ قَضَى الْقَاضِي بِهَا، أَوْ لَمْ يَقْضِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ سِتَّةَ أَقْوَالٍ فِيهَا مُصَحَّحَةً فَلْتُرَاجَعْ.

(قَوْلُهُ: فَعُلِمَ مِنْ التَّقْرِيرِ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَقَبْلَ انْقِضَائِهَا بِهَا كَأَنَّهُ سَهْوٌ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهَا إذَا رَأَتْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015