لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ الْوَجْهَ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْإِكْفَارَ ثُمَّ الْمَسْطُورُ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ تَوْبَةَ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ لِأَنَّ الْكَافِرَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً إيمَانًا وَعِرْفَانًا وَالْفَاسِقَ عَارِفٌ وَحَالُهُ حَالُ الْبَقَاءِ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى قَبُولِهَا مُطْلَقًا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] .
(فَصْلٌ)
وَفِي الْفَتَاوَى مَنْ يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ وَيَجْحَدُ الرِّسَالَةَ إذَا قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا، وَإِذَا قَالَ مَعَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ يَصِيرُ مُسْلِمًا، كَذَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ قَالَ دَخَلْتُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، أَمَّا الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ إذَا قَالَهُمَا الْيَوْمَ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ فَإِذَا اسْتَفْسَرْته يَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ فَلَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى إيمَانِهِ يَنْضَمُّ إلَيْهِ التَّبَرِّي مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَتَبَرَّأُ عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ؛ إذْ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ زَادَ، وَقَالَ وَأَدْخُلُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ زَالَ الِاحْتِمَالُ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُسْتَسْلِمُ لِلْحَقِّ وَكُلُّ ذِي دِينٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَعَنْ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قَالَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ أَسْلَمْتُ يُسْأَلُ أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدُ، إنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ تَرْكَ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ وَالدُّخُولَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ صَارَ مُسْلِمًا، وَإِنْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ فِي دِينِ الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ حَتَّى صَلَّى بِجَمَاعَةٍ كَانَ مُسْلِمًا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ أَوْ يُصَلِّيَ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، وَإِنْ قَالَ الْوَثَنِيُّ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَارَ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَبِأَيِّهِمَا شَهِدَ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ تَنَازَعَا فِي شِرَاءِ شَيْءٍ فَقِيلَ إنَّهُ يُبَاعُ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا مِنْ النَّصْرَانِيِّ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ أَنَا مُسْلِمٌ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا إلَّا إذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ مِثْلُك قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ جَوَابًا لِكَلَامِ غَيْرِهِ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِأَنَا مُسْلِمٌ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُتْرَكُ عَلَى دِينِهِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْكُفْرِ فِيهِ سَوَاءٌ، وَلَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ بِأَنَّهَا أَسْلَمَتْ جَازَ وَأُجْبِرَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ وَفِي النَّوَادِرِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ
(كِتَابُ النِّكَاحِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ شَرَعَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يُسْتَحْسَنُ وَأُخْرَى يُكْرَهُ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَسَائِرُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ قَالَ الشَّاعِرُ:
إنَّ الْقُبُورَ تَنْكِحُ الْأَيَامَى ... النِّسْوَةَ الْأَرَامِلَ الْيَتَامَى
أَيْ تَضُمُّ وَتَجْمَعُ إلَى نَفْسِهَا سُمِّيَ النِّكَاحُ نِكَاحًا لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ شَرْعًا إمَّا وَطْئًا أَوْ عَقْدًا حَتَّى صَارَ فِيهِ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ
فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ حَتَّى صَلَّى بِجَمَاعَةٍ كَانَ مُسْلِمًا) كَذَلِكَ يَكُونُ مُسْلِمًا لَوْ أَذَّنَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا أَوْ صَلَّى فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ لَبَّى وَطَافَ كَمَا يَطُوفُ الْمُسْلِمُونَ لَا بِمُجَرَّدِ التَّلْبِيَةِ، كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا عَنْ الْمُنْتَقَى نَصْرَانِيٌّ صَلَّى وَحْدَهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ قِبْلَتَنَا وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَفْسَدَ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِي النَّوَادِرِ قُبِلَ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ) قَالَ قَاضِي خَانْ: وَلَكِنْ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ نَفْسًا مَا لَا تُقْتَلُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ. اهـ.
[كِتَابُ النِّكَاحِ]
(كِتَابُ النِّكَاحِ) (قَوْلُهُ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً) عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ قِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ قَلْبُهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الضَّمِّ صَرَّحَ بِهِ مَشَايِخُنَا أَيْضًا.
وَقَالَ الْكَمَالُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ أَفْرَادِ الضَّمِّ وَالْمَوْضُوعُ لِلْأَعَمِّ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ كَإِنْسَانٍ فِي زَيْدٍ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ اهـ.
وَعَارَضَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِمَا لَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ إنَّهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ) الْعَطْفُ لِلْبَيَانِ؛ وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي عَلَى قَوْلِهِ النِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ اهـ.
وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الضَّمِّ تَعَلُّقُهُ بِالْأَجْسَامِ لَا الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ يَتَلَاشَى الْأَوَّلُ مِنْهَا قَبْلَ وُجُودِ الثَّانِي فَلَا يُصَادِفُ الثَّانِيَ مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ لِمَا أَنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى الضَّمِّ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ حَالَةَ الْوَطْءِ يَجْتَمِعَانِ وَيَنْضَمُّ كُلٌّ إلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَصِيرَا كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ