وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ كَمَا مَرَّ (إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ؛ لِأَنَّهُمْ مَا مَلَكُوهُنَّ وَلَمْ يَطَأْهُنَّ الْحَرْبِيُّ) إذْ لَوْ كَانُوا وَطِئُوهُنَّ وَوَطِئَهُنَّ الْمَالِكُ لَزِمَ اشْتِبَاهُ النَّسَبِ (لَا أَمَتَهُ الْمَأْسُورَةَ مُطْلَقًا) أَيْ لَا يَطَؤُهَا، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا الْحَرْبِيُّ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا.
(أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ) أَيْ جَعَلَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنَ مَدْيُونًا بِتَصَرُّفٍ مَا (أَوْ عُكِسَ) أَيْ أَدَانَ الْمُسْتَأْمَنُ الْحَرْبِيَّ (أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ مَالًا وَجَاءَا هَاهُنَا) وَاسْتَأْمَنَ الْحَرْبِيُّ (لَمْ يُقْضَ لِأَحَدٍ) مِنْهُمَا (بِشَيْءٍ) أَمَّا الْإِدَانَةُ فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ كَمَا مَرَّ (كَذَا حَرْبِيَّانِ فَعَلَا ذَلِكَ وَجَاءَا مُسْتَأْمَنَيْنِ) لِمَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ جَاءَا مُسْلِمَيْنِ قُضِيَ بَيْنَهُمَا بِالدَّيْنِ لَا الْغَصْبِ) أَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بِالتَّرَاضِي وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ حَالَ الْقَضَاءِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلَمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَا خُبْثَ فِي مِلْكِ الْحَرْبِيِّ لِيُؤْمَرَ بِالرَّدِّ.
(قَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْتَأْمَنٌ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (مِثْلَهُ) أَيْ مُسْتَأْمَنًا (عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَدَى) أَيْ يُعْطِي الدِّيَةَ (مِنْ مَالِهِ فِيهِمَا) أَيْ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ (وَكَفَّرَ لِلْخَطَإِ) أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] بِلَا تَقْيِيدٍ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ، وَأَمَّا تَخْصِيصُهَا بِالْخَطَإِ فَلِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِنَا لَمْ تَبْطُلْ بِعَارِضِ الِاسْتِئْمَانِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّ الْقَوَدَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُقَاوِمُ الْوَاحِدَ غَالِبًا وَلَا مَنَعَةَ إلَّا بِالْإِمَامِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُوجَدَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوُجُوبِ فَلَا يَجِبُ كَالْحَدِّ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ فَلِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تُعَلِّقُ الْعَمْدَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ وَفِي الْخَطَإِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّيَانَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ تَرْكِهَا.
(وَفِي الْأَسِيرَيْنِ) إذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (كَفَّرَ فَقَطْ فِي الْخَطَإِ) أَيْ لَا يَدِي فِي الْخَطَإِ وَلَا شَيْءَ فِي الْعَمْدِ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمٌ تَاجِرًا أَسِيرًا ثَمَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةَ فِي الْخَطَإِ عِنْدَهُ وَقَالَا فِي الْأَسِيرَيْنِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الْأَسْرِ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الِاسْتِئْمَانِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ لِعَدَمِ الْمَنَعَةِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِمَا مَرَّ وَلَهُ أَنَّ بِالْأَسْرِ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْهُورًا فِي أَيْدِيهِمْ وَلِهَذَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ فَيَبْطُلُ بِهِ الْإِحْرَازُ أَصْلًا وَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَخُصَّ الْخَطَأُ بِالْكَفَّارَةِ لِمَا مَرَّ (كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ) حَيْثُ لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ فَقَطْ. .
(لَا يُمَكَّنُ حَرْبِيٌّ) دَخَلَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنًا هُنَا (سَنَةً وَيُقَالُ لَهُ إنْ أَقَمْت هُنَا سَنَةً أَوْ شَهْرًا نَضَعُ عَلَيْك الْجِزْيَةَ، فَإِنْ رَجَعَ) إلَى دَارِهِ (قَبْلَ ذَلِكَ) الْقَدْرِ مِنْ السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ فَجَزَاءُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ (فَهُوَ ذِمِّيٌّ) اعْلَمْ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ فِي دَارِنَا إلَّا بِالِاسْتِرْقَاقِ أَوْ جِزْيَةٍ لِئَلَّا يَصِيرَ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِهَا قَطْعَ جَلْبِ الْحَوَائِجِ وَسَدَّ بَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ ضَمِيرُهُ إلَى التَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ سَوَاءٌ سُبِيَتْ الزَّوْجَةُ قَبْلَ زَوْجِهَا أَوْ بَعْدَهُ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا مِنْ أَنَّ الْمَأْسُورَةَ تَبِينُ وَسَنُبَيِّنُهُ فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُقْضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُفْتَى الْمُسْلِمُ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَعَلَيْهِ نُصَّ فِي التَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ) ظَاهِرٌ فِي مَالِ الْحَرْبِيِّ، وَأَمَّا مَالُ الْمُسْلِمِ فَلَعَلَّهُ بِحَسْبِ اعْتِقَادِ الْحَرْبِيِّ عَدَمَ عِصْمَتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَصِيرَ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا) الْعَيْنُ جَاسُوسُ الْقَوْمِ وَالْعَوْنُ الظَّهِيرُ عَلَى الْأَمْرِ