الْمُتَرَدِّدِ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا لِقِيَامِ يَدِ أَهْلِ الدَّارِ عَلَيْهِ فَمَنَعَ ظُهُورَ يَدِهِ تَمَلُّكُهُمْ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَلَكَهُ، وَلَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا يَمْلِكُهُ.
(وَنَمْلِكُ بِالْغَلَبَةِ) عَلَيْهِمْ (حُرَّهُمْ وَمُدَبَّرَهُمْ وَأُمَّ وَلَدِهِمْ وَمُكَاتَبَهُمْ وَمَلِكَهُمْ) فَإِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ جَزَاءً عَلَى جِنَايَتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَتِهِ جَازَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِأَنْ جَعَلَهُمْ عَبِيدَ عَبِيدِهِ وَتَبِعَ مَالُهُمْ رِقَابَهُمْ، ثُمَّ إنَّ الْكُفَّارَ بَعْدَمَا غُلِبُوا عَلَيْنَا وَأَخَذُوا مَالَنَا إذَا غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ وَأَخَذَ الْغَانِمُونَ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوا مِنَّا (فَمَنْ وَجَدَ مِنَّا مَالَهُ فِي الْغَانِمِينَ أَخَذَهُ مَجَّانًا قَبْلَ قِسْمَتِنَا) الْغَنِيمَةَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (وَ) أَخَذَهُ (بِالْقِيمَةِ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِدَارِهِمْ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْغَنِيمَةِ فَخَاصَمَ فِيهَا الْمَالِكَ الْقَدِيمَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ وَجَدْتهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذْتهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْتهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذْتهَا بِالْقِيمَةِ إنْ شِئْت» ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ يَتَضَرَّرُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِلَا رِضَاهُ وَمَنْ وَقَعَ الْعَيْنُ فِي نَصِيبِهِ يَتَضَرَّرُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ مَجَّانًا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ عِوَضًا عَنْ سَهْمِهِ فِي الْغَنِيمَةِ فَقُلْنَا بِحَقِّ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ جَبْرًا لِلضَّرَرَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْعَامَّةِ فَلَا يُصِيبُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ مَا يُبَالَى بِفَوْتِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ، وَإِنَّمَا قُلْت قَبْلَ قِسْمَتِنَا لِرَدِّ مَا وَقَعَ فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ قِيلَ فِيهِ وَإِذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَلَّتْ لِأَرْبَابِهَا أَوْ بَعْدَهَا أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءُوا، وَفِي الشَّرْحِ إذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْكُفَّارِ فَوَجَدُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوهَا فَهِيَ لِأَرْبَابِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ أَنْ اقْتَسَمُوهَا أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَارُوا، فَإِنَّ حَمْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى قِسْمَةِ الْكُفَّارِ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ الْكُتُبِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أُولِي الْأَبْصَارِ.
(وَ) أَخَذَهُ (بِالثَّمَنِ إنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ) فِي دَارِ الْحَرْبِ (تَاجِرٌ) وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا، فَإِنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ إنْ وَجَدَ مَالَهُ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ، فَإِنْ كَانَ ذُو الْيَدِ مَلَكَهُ بِمُعَاوَضَةٍ صَحِيحَةٍ أَخَذَهُ بِمِثْلِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ مَجَّانًا يَلْحَقُ الضَّرَرُ بِهِ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعِوَضَ بِمُقَابَلَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِأَنْ وَهَبُوهُ لِمُسْلِمٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ مَالِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا لَا يَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ فَلَا يُفِيدُ.
(وَإِنْ أَخَذَ أَرْشَ عَيْنِهِ مَفْقُوءَةً) يَعْنِي إذَا أَسَرُوا عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ وَأَخَذَ الْمُسْلِمُ أَرْشَهَا فَالْمَوْلَى الْقَدِيمُ أَخَذَ الْعَبْدَ بِثَمَنِ أَخْذِهِ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ وَلَا يَأْخُذُ الْأَرْشَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَلَمْ يَرِدْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْأَرْشِ وَلَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ الْعَيْنِ.
(تَكَرَّرَ الْأَسْرُ وَالشِّرَاءُ) بِأَنْ أَسَرَ الْكُفَّارُ عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَسَرُوهُ ثَانِيًا فَأَدْخَلُوهُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ آخَرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَخْذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِأَنَّ الْأَسْرَ لَمْ يَرِدْ عَلَى مِلْكِهِ بَلْ (أَخَذَ) الْمُشْتَرِي (الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي بِثَمَنِهِ) لِوُرُودِ الْأَسْرِ عَلَى مِلْكِهِ (ثُمَّ) أَخَذَهُ (الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالثَّمَنَيْنِ إنْ شَاءَ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَامَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالثَّمَنَيْنِ فَلَمْ يُحَطَّ مِنْهُ شَيْءٌ صِيَانَةً لِحَقِّهِ (وَقَبْلَ أَخْذِ الْأَوَّلِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَهَا) مُفِيدٌ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ بِالْمِثْلِ لَوْ مِثْلِيًّا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَطَلَ حَقُّ الْمَالِكِ وَإِنْ بَاعَهُ أَخَذَهُ مَالِكُهُ بِالثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْكَافِرِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ لَمَا ثَبَتَ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ مِنْ الْغَازِي الَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ أَوْ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِدُونِ رِضًى (أُجِيبَ) بِأَنَّ بَقَاءَ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لِحَقِّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ لَا يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ، أَلَا يُرَى أَنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ وَالْإِعَادَةَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ بِدُونِ رِضَى الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ زَوَالِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِي الْحَالِ وَكَذَا الشَّفِيعُ يَأْخُذُ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِحَقِّ الشُّفْعَةِ بِدُونِ رِضَى الْمُشْتَرِي مَعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ. اهـ. كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
(قَوْلُهُ: بِقِيمَةِ مَالِهِ) أَيْ مَالِيَّةِ ذَاتِ الْمَأْخُوذِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ كَذَا لَوْ وَهَبَهُ الْعَدُوُّ لِمُسْلِمٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا إذْ مِلْكُهُ فِيهِ ثَابِتٌ فَلَا يُزَالُ بِغَيْرِ شَيْءٍ.
(قَوْلُهُ: فَالْمَوْلَى الْقَدِيمُ أَخَذَ الْعَبْدَ بِثَمَنٍ أَخَذَهُ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ) مُفِيدٌ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِتَعَيُّبِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا بِتَعْيِيبِهِ لَهُ وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى الْقَدِيمِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ. . . إلَخْ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ النَّظَرِ أَيْ لِلْجَانِبَيْنِ