قِسْمَةٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَدْفَعُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ (لَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا) لِزَوَالِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُورَثَ نَصِيبُهُ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِلَا رِضَاهُمْ (وَلَا بَيْعُهَا وَتَمَوُّلُهَا) أَيْ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ لَمْ تُمْلَكْ بِالْأَخْذِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ التَّنَاوُلُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمْ رُدَّ الثَّمَنُ إلَى الْمَغْنَمِ (وَرُدَّ الْفَضْلُ) أَيْ مَا بَقِيَ مِمَّا أَخَذَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ (إلَى الْمَغْنَمِ) بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِزَوَالِ حَاجَتِهِ هَذَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا إنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِعَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ لَوْ هَالِكًا، وَالْفَقِيرُ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَ.
(وَمَنْ أَسْلَمَ) مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (عَصَمَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا تَبَعًا فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ.
(وَ) عَصَمَ (مَالًا مَعَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ مَعْصُومًا) أَيْ وَضَعَهُ أَمَانَةً عِنْدَ مَعْصُومٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا (لَا وَلَدَهُ الْكَبِيرَ وَعُرْسَهُ وَحَمْلَهَا) ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ (وَعَقَارَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ (وَعَبْدَهُ مُقَاتِلًا وَمَالَهُ مَعَ حَرْبِيٍّ بِغَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ) لِسَهْمِ الْفَارِسِ أَوْ الرَّاجِلِ (وَقْتَ الْمُجَاوَزَةِ) أَيْ مُجَاوَزَةِ مَدْخَلِ دَارِ الْحَرْبِ.
(فَمَنْ دَخَلَ دَارَهُمْ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ) أَيْ مَاتَ فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ رَاجِلًا (فَلَهُ سَهْمَانِ سَهْمُ فَارِسٍ وَمَنْ دَخَلَهَا رَاجِلًا فَشَرَى فَرَسًا) فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ فَارِسًا (فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ فَرَسٍ وَاحِدٍ) أَيْ لَا يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا لِرَاحِلَةٍ وَبَغْلٍ.
(وَ) لَا (عَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَذِمِّيٍّ وَرَضَخَ لَهُمْ) الرَّضْخُ إعْطَاءُ شَيْءٍ قَلِيلٍ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا قَدْرُ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَرْضَخُ لَهُمْ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ بِمَصَالِحِهِمْ فَيَكُونُ جِهَادًا بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهَا أَوْ دَلَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ فِي دَلَالَتِهِ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَبْلُغُ الرَّضْخُ السَّهْمَ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَاوُونَ الْجَيْشَ فِي عَمَلِ الْجِهَادِ إلَّا فِي دَلَالَةِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ إذَا كَانَتْ فِي دَلَالَتِهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالسِّلَاحِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. اهـ.
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ اسْتِعْمَالُ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ كَالْفَرَسِ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ بِأَنْ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ انْكَسَرَ سَيْفُهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَ سَيْفَهُ أَوْ فَرَسَهُ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ. اهـ.
وَأَمَّا غَيْرُ السِّلَاحِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالطَّعَامِ وَالدُّهْنِ فَشَرَطَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ الْحَاجَةَ إلَى التَّنَاوُلِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ تَنَاوُلُهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْهَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الِانْتِفَاعِ فَإِذَا نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بَيْعُهَا وَتَمَوُّلُهَا) شَامِلٌ لِمَا لَمْ يَمْلِكْهُ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ عَسَلٍ فِي جَبَلٍ وَيَاقُوتٍ وَفَيْرُوزَجَ وَزُمُرُّدٍ وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ مِنْ مَعْدِنِهِ فَإِنَّ جَمِيعَهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاجِدِ وَأَهْلِ الْعَسْكَرِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ فَإِنْ بَاعَهُ نَظَرَ الْإِمَامُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَنْفَعَ قَسَمَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَنْفَعَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَاسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ وَجَعَلَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ قَائِمًا يُجِيزُ بَيْعَهُ وَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَوْ حَشَّ حَشِيشًا أَوْ اسْتَقَى مَاءً وَبَاعَهُ مِنْ الْعَسْكَرِ طَابَ لَهُ ثَمَنُهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ. . . إلَخْ) هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ بِدَارِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا حَتَّى ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ وَالْحُكْمُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثَانِيهَا خَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَالِهِ هُنَاكَ فَيْءٌ إلَّا أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ لِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لَهُ وَإِلَّا مَا أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لِصِحَّةِ يَدِهِمَا ثَالِثُهَا أَسْلَمَ مُسْتَأْمَنٌ بِدَارِنَا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِ فَجَمِيعُ مَا خَلَفَهُ حَتَّى صِغَارِ أَوْلَادِهِ فَيْءٌ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ تَبَعِيَّتِهِمْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ رَابِعُهَا دَخَلَ دَارَهُمْ تَاجِرٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَالْكُلُّ لَهُ إلَّا الدُّورَ وَالْأَرَاضِيَ فَإِنَّهَا فَيْءٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: فَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ فَارِسًا) أَيْ وَفَرَسُهُ صَالِحٌ لِلْقِتَالِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا كَبِيرًا فَلَوْ كَانَ مُهْرًا أَوْ كَبِيرًا مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالِاخْتِيَارِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْبَرِّ أَوْ سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِتَالِ فَحَضَرَ بِهِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ وَإِنْ غَصَبَهُ وَحَضَرَ بِهِ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ فَيُتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: فَنَفَقَ فَرَسُهُ) أَيْ مَاتَ فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ رَاجِلًا (فَلَهُ سَهْمَانِ سَهْمُ فَارِسٍ) وَكَذَا إذَا قَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ وَلَوْ غُصِبَ فَرَسُهُ قُبَيْلَ الدُّخُولِ فَدَخَلَ رَاجِلًا ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ فِيهَا فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، وَكَذَا لَوْ رَكِبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ نَفَرَ أَوْ ضَلَّ الْفَرَسُ فَاتَّبَعَهُ وَدَخَلَ رَاجِلًا ثُمَّ وَجَدَهُ فِيهَا اسْتَحَقَّ سَهْمَ فَارِسٍ وَلَا سَهْمَ لِفَرَسٍ مُشْتَرَكٍ لِلْقِتَالِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّةَ الْآخَرِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالسَّهْمُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِمَوْتِ الْفَرَسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ وَلَوْ فِي حَالِ الْقِتَالِ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ فَارِسٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الْمُجَاوَزَةُ لِلْقِتَالِ فَارِسًا إلَّا إذَا بَاعَهُ مُكْرَهًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة اهـ.
(قُلْت) كَذَلِكَ