الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ حَتَّى لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُمْ (فَإِنْ) كَانَ الصُّلْحُ (شَرًّا نُبِذَ) الْأَمَانُ (وَأُدِّبَ) مُعْطِي الْأَمَانِ.
(لَا) يَصِحُّ (أَمَانُ ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ بِأَنْ يُؤَمِّنَهُمْ فَحِينَئِذٍ جَازَ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَ) لَا أَمَانُ (أَسِيرٍ مُسْلِمٍ) مَعَهُمْ (وَتَاجِرٍ) مُسْلِمٍ (مَعَهُمْ) لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَلَا يَخَافُونَهُمَا وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ.
(وَ) لَا أَمَانُ (مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ) إلَيْنَا لِمَا ذَكَرْنَا (وَصَبِيٍّ وَعَبْدٍ مَحْجُورَيْنِ وَمَجْنُونٍ) أَمَّا الصَّبِيُّ فَإِذَا لَمْ يَعْقِلْ بَطَلَ أَمَانُهُ كَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ عَقَلَ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِذَا حُجِرَ عَنْ الْقِتَالِ لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ صَحَّ أَمَانُهُ.
(إذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً صُلْحًا يَجْرِي) أَيْ الْإِمَامُ (عَلَى مُوجَبِهِ) لَا بِغَيْرِهِ هُوَ وَلَا مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ (وَأَرْضُهَا تَبْقَى عَلَى مِلْكِهِمْ، وَلَوْ) فَتَحَهَا (عَنْوَةً) أَيْ قَهْرًا فَهُوَ فِي حَقِّهَا مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ خُمُسَهَا، ثُمَّ (قُسِمَا بَيْنَنَا) يَعْنِي الْغَانِمِينَ فَتَكُونُ مِلْكًا لَنَا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ وَوَضَعَ عَلَيْهَا الْعُشْرَ إذْ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْخَرَاجِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا) أَيْ إنْ شَاءَ وَمَنْ بِهِ عَلَى أَهْلِهَا وَتَرَكَهُمْ أَحْرَارَ الْأَصْلِ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَالْأَرَاضِي مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ (بِجِزْيَةٍ) أَيْ بِوَضْعِ جِزْيَةٍ عَلَيْهِمْ.
(وَ) وَضْعِ (خَرَاجٍ) عَلَى أَرَاضِيِهِمْ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ فَتَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ حَيْثُ مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا وَتَرَكَ دُورَهُمْ وَعَقَارَهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ وَضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، قَالُوا الْأَوَّلُ أَوْلَى عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِهَا لِيَكُونَ ذَخِيرَةً لَهُمْ فِي الثَّانِي مِنْ الزَّمَانِ (أَوْ نَفَاهُمْ) مِنْهَا (وَأَنْزَلَ) بِهَا قَوْمًا (آخَرِينَ وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ لَوْ) كَانُوا (كُفَّارًا) كَذَا فِي التُّحْفَةِ، يَعْنِي وَضَعَ عَلَيْهِمْ خَرَاجَ الْأَرْضِ وَعَلَى أَنْفُسِهِمْ الْجِزْيَةَ، وَقَوْلُهُ: لَوْ كَانُوا كُفَّارًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَوْمَ الْآخَرِينَ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْعُشْرُ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءً وُضِعَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
. (وَ) الْإِمَامُ فِي حَقِّ أَهْلِ مَا فُتِحَ مُخَيَّرٌ أَيْضًا إنْ شَاءَ (قَتَلَ الْأَسْرَى) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَهُمْ وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الشِّرْكِ (أَوْ اسْتَرَقَّهُمْ) تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (أَوْ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لَنَا) إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ (وَحَرُمَ مَنُّهُمْ) وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْكَافِرَ الْأَسِيرَ بِلَا أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ (وَفِدَاؤُهُمْ) وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ مَالًا أَوْ أَسِيرًا مُسْلِمًا فِي مُقَابَلَتِهِ وَفِي الْمَنِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إلَى السَّمَاءِ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَقَالَ هَذَا لَيْسَ بِأَمَانٍ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتَحْسَنَ أَنْ يَكُونَ أَمَانًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ نَقْلًا عَنْ الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْأَمَانُ الْأَمَانُ فَقَالَ رَجُلٌ حُرٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ لَا تَخَافُوا وَلَا تَذْهَلُوا أَوْ عَهْدُ اللَّهِ وَذِمَّتُهُ أَوْ تَعَالَوْا وَاسْمَعُوا كَلَامَ اللَّهِ فَهَذَا كُلُّهُ أَمَانٌ صَحِيحٌ. اهـ.
(بَابُ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتِهِ) .
(قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ خُمُسَهَا) أَيْ جَعَلَهَا أَخْمَاسًا خُمُسٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ قَسَمَهَا بَيْنَنَا) يَعْنِي قَسَمَ بَاقِيَهَا وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِقَوْلِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَسَيَذْكُرُ قِسْمَةَ الْخُمُسِ بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا. . . إلَخْ) نَصٌّ عَلَى الْمَنِّ بِإِبْقَائِهِمْ ذِمَّةً وَتَمَلُّكِهِمْ الْأَرَاضِيَ فَخَرَجَ مَا يُنْقَلُ إذْ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَأَنَّهُ لَا يَدُومُ وَالْجَوَازُ بِاعْتِبَارِ الدَّوَامِ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِالرِّقَابِ وَحْدَهَا بِدُونِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا لِلْأَرَاضِيِ، وَإِذَا مُنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِي يَدْفَعُ لَهُمْ مِنْ الْمَنْقُولِ قَدْرَ مَا يَتَأَتَّى لَهُمْ بِهِ الْعَمَلُ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ وَقَسَمَ الْجَمِيعَ لِلْغَانِمِينَ جَازَ وَكُرِهَ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَفْعَلْهُ وَلِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ بِلَا آلَتِهَا كَمَا فِي الْكَافِي وَلِي رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَمَّيْتهَا الدُّرَّةُ الْيَتِيمَةُ فِي الْغَنِيمَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْأَسْرَى) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْلِمُوا وَمَنْ أَسْلَمَ لَا يُقْتَلُ وَقُيِّدَ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغُزَاةِ قَتْلُ أَسِيرٍ بِنَفْسِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ بِلَا مُلْجِئٍ بِأَنْ خَافَ الْقَاتِلُ شَرًّا لِأَسِيرٍ كَانَ لِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَإِذَا عَزَمَ عَلَى قَتْلِ الْأَسْرَى لَا يَنْبَغِي تَعْذِيبُهُمْ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّعْذِيبِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَرَقَّهُمْ) وَلَا يُنَافِي اسْتِرْقَاقُهُمْ إسْلَامَهُمْ بَعْدَ الْأَسْرِ لِوُجُودِهِ بَعْدَ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْأَسْرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَخْذِ فَإِنَّهُمْ لَا يُسْتَرَقُّونَ كَمَا سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْكَافِرَ الْأَسِيرَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ مَالًا) هَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالْفَتْحِ وَآيَةُ السَّيْفِ نَسَخَتْ الْمُفَادَاةَ وَعُوتِبَ عَلَى الْفِدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ (قَوْلُهُ أَوْ أَسِيرًا مُسْلِمًا فِي مُقَابَلَتِهِ) هَذَا عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَيْهَا مَشَى الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَجُوزُ فِدَاءُ أَسْرَانَا بِأَسْرَاهُمْ كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهِيَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالتَّبْيِينِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ