الْغُزَاةُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ (مَعَ فَيْءٍ) أَيْ وُجُودِ شَيْءٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَبِدُونِهِ) أَيْ إذَا لَمْ يُوجَدْ فَيْءٌ (لَا) يُكْرَهُ الْجُعْلُ (فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَوْا) أَيْ امْتَنَعُوا عَنْ الْإِسْلَامِ (فَإِلَى) أَيْ فَنَدْعُوهُمْ إلَى (الْجِزْيَةِ فَإِنْ قَبِلُوا) الْجِزْيَةَ (فَلَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا) هَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْعِبَادَاتِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّا كُنَّا نَتَعَرَّضُ لِدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ قَبْلَ قَبُولِهِمْ الْجِزْيَةَ فَبَعْدَمَا قَبِلُوهَا إذَا تَعَرَّضْنَا لَهُمْ أَوْ تَعَرَّضُوا لَنَا يَجِبُ لَهُمْ عَلَيْنَا، وَيَجِبُ لَنَا عَلَيْهِمْ مَا يَجِبُ لِبَعْضِنَا عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ التَّعَرُّضِ، يُؤَيِّدُهُ اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِيَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا.
(وَلَا نُقَاتِلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ) إلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَهَا أَثِمَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلَمْ يَغْرَمْ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ (وَنُدِبَ تَجْدِيدُهَا لِمَنْ بَلَغَتْهُ فَإِنْ أَبَوْا حَارَبْنَاهُمْ بِمَنْجَنِيقٍ وَتَحْرِيقٍ وَتَغْرِيقٍ وَرَمْيٍ، وَلَوْ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ أَوْ تَتَرَّسُوا بِهِ) أَيْ بِالْمُسْلِمِ (بِنِيَّتِهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِالرَّمْيِ (لَا بِنِيَّتِهِ) لِيَلْزَمَ الْإِثْمُ، وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُ فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَة. .
(وَقَطْعِ شَجَرٍ وَإِفْسَادِ زَرْعٍ بِلَا غَدْرٍ وَغُلُولٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُمَا وَكِلَاهُمَا خِيَانَةٌ لَكِنَّ الْغُلُولَ فِي الْمَغْنَمِ خَاصَّةً، وَالْغَدْرُ أَعَمُّ يَشْمَلُ نَقْضَ الْعَهْدِ (وَمُثْلَةً) اسْمٌ مِنْ مَثَّلَ بِهِ يُمَثِّلُ مَثَلًا كَقَتَلَ يَقْتُلُ قَتْلًا أَيْ نَكَّلَ بِهِ يَعْنِي جَعَلَهُ نَكَالًا وَعِبْرَةً لِغَيْرِهِ كَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ.
وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْمَثُلَةُ الْمَنْهِيَّةُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ وَلَا بَأْسَ بِهَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إذْلَالِهِمْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ وَنَظِيرُهُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ (وَبِلَا قَتْلِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ) كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ (وَشَيْخٍ فَانٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَامْرَأَةٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ كُلِّهَا فِي الْحَدِيثِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ مُقَاتِلًا أَوْ ذَا مَالٍ يَحُثُّ بِهِ أَوْ) ذَا (رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ أَوْ مَلِكًا) فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ.
. (وَ) بِلَا قَتْلِ (أَبٍ كَافِرٍ بَدْءًا) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَعَ فَيْءٍ أَيْ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ) فَسَّرَ الْفَيْءَ بِالشَّيْءِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وُجُودُ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَالْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ.
(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُوجَدْ فَيْءٌ لَا يُكْرَهُ الْجُعْلُ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَأَطْلَقَ الْإِبَاحَةَ فِي السِّيَرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَغْزُو بِأَجْرٍ كَمَثَلِ أُمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا لِنَفْسِهَا وَتَأْخُذُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَكَانَتْ تَأْخُذُ مِنْ فِرْعَوْنَ دِينَارَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ» ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَوْا فَإِلَى الْجِزْيَةِ) هَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَأَهْلِ الْكِتَاب وَالْمَجُوس وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ، وَأَمَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ كَالْمُرْتَدِّينَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ: وَقَطْعِ شَجَرٍ وَإِفْسَادِ زَرْعٍ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُغْلَبُونَ وَأَنَّ الْفَتْحَ بَادٍ كُرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إلَّا لَهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ) كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالْمَسْطُورُ فِي الزَّيْلَعِيِّ نَصُّهُ.
وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ. . . إلَخْ وَظَاهِرُ هَذَا الْإِطْلَاقِ التَّمْثِيلُ سَوَاءٌ وَقَعَ قِتَالًا أَوْ بِأَسِيرٍ إلَّا أَنَّ الْكَمَالَ خَصَّهُ بِقَوْلِهِ التَّمْثِيلُ قَبْلَ الظَّفَرِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا وَقَعَ قِتَالًا كَمُبَارِزٍ ضَرَبَ فَقَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ ضُرِبَ فَقَأَ عَيْنَهُ فَلَمْ يَنْتَهِ فَقَطَعَ أَنْفَهُ وَيَدَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَشَيْخٍ فَانٍ) قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَا عَلَى الْإِحْبَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَزَادَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ فَقَتَلَهُ وَمِثْلُهُ نَقْتُلُهُ إذَا ارْتَدَّ، وَاَلَّذِي لَا نَقْتُلُهُ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي خَرَّفَ وَزَالَ عَنْ حُدُودِ الْعُقَلَاءِ وَالْمُمَيِّزِينَ فَهَذَا حِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ فَلَا نَقْتُلُهُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ قَالَ، وَأَمَّا الزَّمْنَى فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّيُوخِ فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ كَمَا يُقْتَلُ سَائِرُ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا عُقَلَاءَ وَنَقْتُلُهُمْ أَيْضًا إذَا ارْتَدُّوا. اهـ.
وَلَا نَقْتُلُ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ وَنَقْتُلُ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ. اهـ. مَا قَالَهُ الْكَمَالُ (قُلْت) وَفِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْأَقْطَعِ مِنْ خِلَافٍ نَظَرٌ لِمَا أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الشَّيْخِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِحْبَالِ أَوْ الصِّيَاحِ. اهـ.
(قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ كُلِّهَا فِي الْحَدِيثِ) وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَغْرَمُ قَاتِلَ مَنْ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حُرْمَةِ الْقَتْلِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ مُقَاتِلًا) لَكِنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ فِي حَالِ قِتَالِهِمَا، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ النِّسَاءِ وَالرُّهْبَانِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بَعْدَ الْأَسْرِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُقْتَلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَالْمَرْأَةُ الْمَلِكَةُ تُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَلِكُ وَالْمَعْتُوهُ؛ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْمَلِكِ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: وَبِلَا قَتْلِ أَبٍ كَافِرٍ) سَوَاءٌ أَدْرَكَهُ فِي الصَّفِّ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَقْتُلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يَقْتُلُهُ غَيْرُ الِابْنِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُعَالِجُهُ بِنَحْوِ ضَرْبِ قَوَائِمِ فَرَسِهِ وَإِلْجَائِهِ إلَى مَكَان حَتَّى يَجِيءَ غَيْرُهُ فَيَقْتُلَهُ، وَكَذَا الْأُمُّ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ الْمُقَاتِلُونَ يُكْرَهُ لِفَرْعِهِمْ قَتْلُهُمْ وَمَنْ سِوَى الْأُصُولِ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الْحَرْبِيِّينَ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ فَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَالْأَبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْفَتْحِ