نِصَابَ الشَّهَادَةِ الْمُلْزِمَةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ الِابْتِلَاءِ بِأَمْرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (وَقِيلَ يُقَدَّرُ مَا فِيهَا) رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُحْفَرَ حُفْرَةٌ عُمْقُهَا وَدَوْرُهَا مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْهَا وَتُجَصَّصُ وَيُصَبُّ الْمَاءُ فِيهَا فَإِنْ امْتَلَأَتْ فَقَدْ نُزِحَ مَاؤُهَا، وَالثَّانِي أَنْ يُرْسِلَ قَصَبَةً فِي الْمَاءِ وَيَجْعَلَ عَلَامَةً لِمَبْلَغِ الْمَاءِ ثُمَّ يَنْزَحَ عَشْرَ دِلَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيَنْظُرُ كَمْ انْتَقَصَ فَإِنْ انْتَقَصَ الْعَشْرُ فَهُوَ مِائَةٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا كَانَ دَوْرُ الْبِئْرِ مِنْ أَوَّلِ حَدِّ الْمَاءِ إلَى قَعْرِ الْبِئْرِ مُتَسَاوِيًا (وَقِيلَ يُنْزَحُ مِائَتَا دَلْوٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَفْتَى بِمَا شَاهَدَ فِي بَغْدَادَ لِأَنَّ آبَارَهَا كَثِيرَةُ الْمَاءِ بِمُجَاوَرَةِ دِجْلَةَ (وَإِنْ مَاتَ نَحْوُ حَمَامَةٍ أَوْ دَجَاجَةٍ فَأَرْبَعُونَ دَلْوًا وَسَطًا إلَى سِتِّينَ) الْأَرْبَعُونَ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ، وَالْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ.

(وَ) إنْ مَاتَ نَحْوُ (فَأْرَةٍ أَوْ عُصْفُورٍ فَعِشْرُونَ إلَى ثَلَاثِينَ) هُوَ أَيْضًا كَمَا مَرَّ (وَمَا جَاوَزَ الْوَسَطَ اُحْتُسِبَ بِهِ ثُمَّ مَا بَيْنَ الْفَأْرَةِ، وَالْحَمَامَةِ كَالْفَأْرَةِ) فَيُنْزَحُ عِشْرُونَ إلَى ثَلَاثِينَ (وَمَا بَيْنَ الدَّجَاجَةِ، وَالشَّاةِ كَالدَّجَاجَةِ) فَيُنْزَحُ أَرْبَعُونَ إلَى سِتِّينَ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْ فَأْرَةٍ فَإِلَى الْأَرْبَعِ يُنْزَحُ عِشْرُونَ وَلَوْ خَمْسًا فَأَرْبَعُونَ إلَى التِّسْعِ وَلَوْ عَشْرًا فَجَمِيعُ الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ فَأْرَتَانِ كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ فَأَرْبَعُونَ وَفِي السِّنَّوْرَيْنِ يُنْزَحُ كُلُّهَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَتَنَجُّسُهَا) أَيْ الْبِئْرِ (مِنْ وَقْتِ الْوُقُوعِ إنْ عُلِمَ) ذَلِكَ الْوَقْتُ (وَإِلَّا فَمُنْذُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِخْ) فِي حَقِّ الْوُضُوءِ حَتَّى يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ إلَّا غَسْلُهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الزَّيْلَعِيُّ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ الصَّبَّاغِيَّ كَانَ يُفْتِي بِهَذَا (وَإِنْ انْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ فَمُنْذُ) أَيْ تَنَجُّسِهَا مُنْذُ (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا) ذَكَرَ هَاهُنَا التَّفَسُّخَ لِأَنَّ حُكْمَهُ هَاهُنَا لَا يُفْهَمُ مِنْ الِانْتِفَاخِ لِأَنَّ التَّفَسُّخَ أَكْثَرُ إفْسَادًا لِلْمَاءِ مِنْ الِانْتِفَاخِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا قَدَّرَ لَهُ مِنْ الْمُدَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَ لِلِانْتِفَاخِ فَلَوْ اقْتَصَرَ فِي تَقْدِيرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى الِانْتِفَاخِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ التَّفَسُّخَ يَقْتَضِي مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الِانْتِفَاخِ وَلَوْ عَكَسَ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الِانْتِفَاخَ يَقْتَضِي أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَيَانًا لِلْحُكْمِ وَدَفْعًا لِلْوَهْمِ فَظَهَرَ أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ لَيْسَتْ كَمَا يَنْبَغِي حَيْثُ جَمَعَ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَ الِانْتِفَاخِ، وَالتَّفَسُّخِ وَاقْتَصَرَ فِي الثَّانِي عَلَى الِانْتِفَاخِ فَكَانَ الْوَاجِبُ الْعَكْسَ (وَقَالَا) تَنَجُّسُهَا (مُنْذُ وُجِدَ) حَتَّى لَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ بَلْ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا.

(وَلَوْ أُخْرِجَ) الْحَيَوَانُ الْوَاقِعُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقِيلَ يُقَدِّرُ مَا فِيهَا) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَقِيلَ أَنْ تُحْفَرَ حَفِيرَةٌ أَوْ تُرْسَلَ فِيهَا قَصَبَةٌ لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ الْأَوْجُهِ لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ مَا فِيهَا عِنْدَ تَعَسُّرِ نَزْحِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا يَنْبَغِي. . . إلَخْ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا يُفِيدُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مَتْنًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ نَحْوُ حَمَامَةٍ. . . إلَخْ) .

أَقُولُ هَذَا، وَالْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ غَسْلِهِ لَا يُفْسِدُهَا، وَالْكَافِرُ يُفْسِدُهَا وَلَوْ غُسِّلَ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: الشَّهِيدُ كَالْمُغَسَّلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَمَّا أَنَّ الدَّمَ الَّذِي بِهِ غَيْرُ طَاهِرٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا غُسِلَ عَنْهُ قَبْلَ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْ فَأْرَةٍ إلَى قَوْلِهِ فَجَمِيعُ الْمَاءِ) حَكَاهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ بِقَوْلِهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ فَأْرَتَانِ. . . إلَخْ) حَكَيَاهُ بِقَوْلِهِمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ اهـ.

وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَلْحَقَ مُحَمَّدٌ الثَّلَاثَ مِنْهَا إلَى الْخَمْسِ بِالْهِرَّةِ، وَالسِّتَّ بِالْكَلْبِ وَأَبُو يُوسُفَ الْخَمْسَ إلَى التِّسْعِ بِالْهِرَّةِ، وَالْعَشَرَةَ بِالْكَلْبِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا) أَيْ وَهُمْ مُحْدِثُونَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ) أَيْ مِنْ نَجَاسَةٍ أَمَّا إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ.

وَتَعَقَّبَ شَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْغَسْلِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْزَمُهُمْ غَسْلُهَا لِكَوْنِهَا مَغْسُولَةً بِمَاءِ الْبِئْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ حَالَ الْعِلْمِ بِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفَأْرَةِ بِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الثِّيَابِ مِنْ بَابِ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّنْجِيسِ فِي الْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا إلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَتَّجِهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْغَسْلِ الْإِعَادَةَ وَلَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ غَسْلَ الثَّوْبِ أَصْلًا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَا بِتَنَجُّسِهَا مُنْذُ وُجِدَ إلَخْ) يَعْنِي حَتَّى يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ.

وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ قَالَ فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ قَوْلُهُ: مَا هُوَ الْمُخْتَارُ قُلْت لَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ اعْتَمَدَ قَوْلَ الْإِمَامِ الْبُرْهَانِيِّ، وَالنَّسَفِيِّ وَالْمَوْصِلِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَرَجَّحَ دَلِيلَهُ فِي جَمِيعِ الْمُصَنَّفَاتِ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ قَوْلَهُمَا قِيَاسٌ، وَقَوْلَهُ اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الْعِبَادَاتِ اهـ.

(قَوْلُهُ: بَلْ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ، وَالْفَيْضِ بِقَوْلِهِمْ وَقَالَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَقْتَ الْعِلْمِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا اهـ. فَلَعَلَّ الصَّوَابَ خِلَافُ مَا قَالَهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015