أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ رَابِعُ الْعِبَادَاتِ الْجَامِعُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ (وَهُوَ) لُغَةً: الْقَصْدُ وَشَرْعًا (زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فُرِضَ مَرَّةً) ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] لَمَّا نَزَلَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّهَا النَّاسُ حُجُّوا فَقَالُوا أَنَحُجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ فَقَالَ لَا بَلْ مَرَّةً» وَلِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْبَيْتُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَلَا تَعَدُّدَ لَهُ (بِالْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْعُمُرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَقْتُ الْحَجِّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ يُسَمَّى مُشْكِلًا؛ لِأَنَّ فِيهِ جِهَةَ الْمِعْيَارِيَّةِ وَالظَّرْفِيَّةِ فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ فِعْلُهُ قَضَاءً، وَمَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ أَصْلًا كَمَا إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ بَلْ جِهَةُ الْمِعْيَارِيَّةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْفَوْرِ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَكِنْ إذَا حَجَّ بِالْآخِرَةِ كَانَ أَدَاءً لَا قَضَاءً، وَجِهَةُ الظَّرْفِيَّةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَ الْقَائِلِ بِخِلَافِهِ حَتَّى إذَا أَدَّاهُ بَعْدَ الْعَامِ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ لَكِنْ لَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ عِنْدَهُ أَيْضًا (عَلَى حُرٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فُرِضَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ رَابِعُ الْعِبَادَاتِ) أَيْ مِنْ الْفُرُوعِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَهُوَ إنْ كَانَ خَامِسًا كَمَا عُدَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَتَكَلَّمْ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْإِيمَانِ أَسْقَطُوهُ فَعُدَّ الْحَجُّ رَابِعًا (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ كَمَا ظَنَّهُ الشَّارِحُ أَيْ الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ مَفْهُومُهُ اللُّغَوِيُّ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا الْقَصْدُ الْمُطْلَقُ اهـ.
وَعَنْ الْخَلِيلِ هُوَ كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَى مَنْ يُعَظِّمُهُ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا: زِيَارَةُ مَكَان. . . إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ قَصْدُ مَكَان. . . إلَخْ لِيَتَضَمَّنَ الشَّرْعِيُّ اللُّغَوِيَّ مَعَ زِيَادَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الزِّيَارَةُ تَتَضَمَّنُ الْقَصْدَ وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ جِنْسَهُ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا هُوَ زِيَارَةُ بِقَاعٍ مَخْصُوصَةٍ اهـ فَعَمَّ الرُّكْنَيْنِ وَغَيْرَهُمَا كَمُزْدَلِفَةَ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْبَيْتُ) الْمُرَادُ السَّبَبُ الظَّاهِرِيُّ وَهُوَ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ وَأَمَّا سَبَبُهُ الْخَفِيُّ فَهُوَ خِطَابُ الْأَزَلِيِّ أَوْ تَرَادُفُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ مَوْلَاهُ وَلُزُومُ حَضْرَةِ بَابِهِ فَلَمَّا أَضَافَ الْبَيْتَ إلَى نَفْسِهِ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَإِعْظَامًا لِقَدْرِهِ وَجَبَ عَلَى عَبِيدِهِ زِيَارَتُهُ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ فِنَائِهِ وَسَبَبُ التَّفْرِيعِ عَنْ الذِّمَّةِ الْأَمْرُ (قَوْلُهُ بِالْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَفِي الْعُمُرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ بِالْمَوْتِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ فِعْلُهُ قَضَاءً) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ آثِمًا لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَمَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ آثِمًا وَأَيْضًا لَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرَهُ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ فِعْلَهُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ يَكُونُ قَضَاءً كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ إنَّ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ زِيَادَةُ لَامِ الْأَلْفِ مِنْ لَا يَقُولُ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِثْمِ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَاتَّفَقَ عَلَى زَوَالِهِ بِالْحَجِّ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً وَذَكَرَ فِي الْمُبْتَغَى أَنَّ مَنْ فَرَّطَ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَتْلَفَ مَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَحُجَّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى قَضَائِهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ قَالُوا يُرْجَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ آثِمًا اهـ.
وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ إذَا قَدَرَ اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى حُرٍّ. . . إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شَرَائِطِ الْحَجِّ، وَهِيَ شَرَائِطُ أَدَاءً وَشَرَائِطُ صِحَّةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهَا فَنَقُولُ: شَرَائِطُ الْوُجُوبِ ثَمَانِيَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْوَقْتُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ، وَلَوْ بِمَكَّةَ بِنَفَقَةٍ وَسَطٍ وَالْقُدْرَةُ عَلَى رَاحِلَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ أَوْ عَلَى شِقِّ مَحْمَلٍ بِالْمِلْكِ أَوْ الْإِجَارَةِ لَا الْإِبَاحَةِ وَالْإِعَارَةِ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ قَوِيًّا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ بِالْقَدَمِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِدُونِ الرَّاحِلَةِ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلَيْنِ عَمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ كَالْكُتُبِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمَسْكَنِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهُ بِبَعْضِ ثَمَنِهِ وَالْحَجُّ بِالْبَاقِي لَكِنْ إنْ فَعَلَ وَحَجَّ كَانَ أَفْضَلَ، وَالثَّامِنُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْحَجِّ فَرْضًا كَذَا ذَكَرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ مِنْ شَرَطِ فَرْضِيَّتِهِ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ لِمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْكَوْنِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَخَمْسَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَزَوَالُ الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ عَنْ الذَّهَابِ لِلْحَجِّ وَأَمْنُ الطَّرِيقِ وَعَدَمُ قِيَامِ الْعِدَّةِ وَخُرُوجُ مَحْرَمٍ، وَلَوْ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ أَوْ رَقِيقٍ مَأْمُونٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ غَيْرِ مَجُوسِيٍّ أَوْ زَوْجٍ لِامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ وَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ السَّلَامَةِ فِي الطَّرِيقِ بَرًّا وَبَحْرًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ أَنْهَارٌ لَا بِحَارٌ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَرَ فِي الزَّوْجِ شُرُوطَ الْمَحْرَمِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَحْرَمِ الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ فَكَذَا فِي الزَّوْجِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا مَأْمُونًا اهـ.
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتُهُ إذَا أَبَى أَنْ يَحُجَّ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَخْرُجْ