نِصْفُ صَاعٍ) فَاعِلُ تَجِبُ (وَمِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ صَاعٌ مِمَّا) أَيْ مِنْ صَاعٍ (يَسَعُ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا) ، فَإِنَّهُ الصَّاعُ الْمُعْتَبَرُ (مِنْ مَجٍّ) وَهُوَ الْمَاشُّ (أَوْ عَدَسٍ) وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِهِمَا لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ حَبَّاتِهِمَا عِظَمًا وَصِغَرًا وَتَخَلْخُلًا وَاكْتِنَازًا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُبُوبِ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ
(بِطُلُوعِ فَجْرِ الْفِطْرِ) مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِتَجِبُ (فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الْفِطْرِ (أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ) لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ بِالنَّظَرِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (وَصَحَّ) أَدَاءُ الْفِطْرَةِ
(لَوْ قَدَّمَ) الْأَدَاءَ عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ وَهُوَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ التَّعْجِيلَ فِي الزَّكَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمُدَّةٍ (أَوْ أَخَّرَ) عَنْ وَقْتِهِ وَلَمْ تَسْقُطْ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْقُرْبَةِ فِيهَا مَعْقُولٌ وَهُوَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ فَلَا يَتَقَدَّرُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، فَإِنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا إرَاقَةُ الدَّمِ وَهِيَ لَمْ تُعْقَلْ قُرْبَةً فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ
(وَنُدِبَ تَعْجِيلُهَا) وَالْمُرَادُ أَدَاؤُهَا قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِإِشَارَتِهِ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَدَاؤُهَا قَبْلَ الْخُرُوجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَاعِلُ يَجِبُ) أَقُولُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي يَجِبُ أَيْ يَجِبُ الْفِطْرُ أَيْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ (قَوْلُهُ مِمَّا أَيْ مِنْ صَاعٍ يَسَعُ أَلْفًا. . . إلَخْ) هَذَا تَقْدِيرُ الطَّحَاوِيِّ الصَّاعُ بِمَا يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قِيلَ: إنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيرُ أَبِي يُوسُفَ الصَّاعَ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ عِرَاقِيَّةٍ وَتَقْدِيرُهُمَا بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ لِزِيَادَةِ الصَّاعِ فِي عَصْرِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الرَّطْلَ فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ عِشْرِينَ إسْتَارًا وَفِي زَمَنِ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثِينَ إسْتَارًا وَالْإِسْتَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا الْقِيلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةً وَلَوْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ لَذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ اعْتَبَرَ الرَّطْلَ الْعِرَاقِيَّ. اهـ. قُلْتُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ لَا يَتِمُّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَدَمُ زِيَادَةِ الصَّاعِ فِي زَمَنِ أَبِي يُوسُفَ وَبَعْدَ ثُبُوتِ عَدَمِ الزِّيَادَةِ يَحْتَاجُ أَيْضًا إلَى نَفْيِ مَا وَرَدَ أَنَّ أَبِي يُوسُفَ حَرَّرَهُ بِرَطْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ رَطْلِ بَغْدَادَ؛ لِأَنَّهُ ثَلَاثُونَ إسْتَارًا وَالْبَغْدَادِيُّ عِشْرُونَ فَلْيُحَرَّرْ
(قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمُدَّةٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَخَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ وَنُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، فَإِنَّ الْحَسَنَ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا أَصْلًا كَالْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ خَلَفٌ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ وَقَالَ نُوحٌ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَعَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَدَّى عَنْ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ زَيْنٌ فِي بَحْرِهِ تَصْحِيحَ قَوْلِ خَلَفٍ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَعَنْ الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى ثُمَّ قَالَ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ تَرَى لَكِنَّ تَأْيِيدَ التَّقْيِيدِ بِدُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَلْيَكُنْ الْعَمَلُ عَلَيْهِ. اهـ.
وَخَالَفَهُ أَخُوهُ الشَّيْخُ عُمَرُ فَقَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِ مَا تَقَدَّمَ وَاتِّبَاعُ الْهِدَايَةِ أَوْلَى. اهـ. قُلْتُ وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ الْعَمَلَ بِمَا عَلَيْهِ الشُّرُوحُ وَالْمُتُونُ وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَ تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَفِي الْبُرْهَانِ وَابْنِ كَمَالٍ بَاشَا.
وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الصَّحِيحُ جَوَازُ تَعْجِيلِ الْفِطْرَةِ لِسِنِينَ كَمَا يَجُوزُ لِسَنَةٍ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ. اهـ. وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ صَدَقَةِ فِطْرَةٍ لِسَنَةٍ أَوْ سِنِينَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَالْوَقْتُ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَالتَّعْجِيلُ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ جَائِزٌ كَمَا فِي الزَّكَاةِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ أَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ وَلَمْ تَسْقُطْ) أَقُولُ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ افْتَقَرَ وَعَنْ الْحَسَنِ إنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ يَوْمِ الْفِطْرِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
(قَوْلُهُ: لَهُ وَنُدِبَ تَعْجِيلُهَا. . . إلَخْ) قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْكَنْزِ هُنَا اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ ثَمَّةَ وَلَمَّا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي هُنَا أَيْضًا قَالَ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْعِيدَيْنِ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْكِتَابِ لِوَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي كَافِيهِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي وَفَضِيلَةُ التَّعْجِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَجْرُوحٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِأَفْضَلِيَّةِ مَا يُدْفَعُ لِلْفَقِيرِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ الدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهَا أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ وَأَعْجَلُ بِهِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ تَفْضِيلُ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ إذْ فِي الدَّقِيقِ وَالْقِيمَةِ خِلَافٌ لِلشَّافِعِيِّ. اهـ.
وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ خِلَافَ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ دَفْعُ الْحِنْطَةِ أَفْضَلُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ وَإِظْهَارُ الشَّرِيعَةِ. اهـ. .
وَفِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّدَّةِ فَالْأَدَاءُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ دَقِيقِهِ أَفْضَلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفِي زَمَنِ السَّعَةِ الدَّرَاهِمُ أَفْضَلُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ