سوى أبي الحسين الفارسيّ، وكان هذا التتلمذ متأخّرا، فقد كان في بداية حياته العلمية حنفيّ المذهب والاعتقاد، كوفيّا نحويّا، وبعد أن نضج وتتلمذ على يد أبي الحسين الفارسيّ، وقرأ كتبا أخرى، جعلته يغيّر منهجه الذي يسير عليه إلى منهج آخر مختلف تماما، نظرا لسعة اطّلاعه، وسعة أفقه ومداركه.
9 - ومما تجدر الإشارة إليه أنّ المؤلف أورد خلال حديثه عن اسم الله تعالى (البارئ) خلال تفسير الآية 24 من سورة الحشر يقول: «وقد استوفينا الكلام في الأسماء في مفتاح الهدى» (?)، وقد استبشرت خيرا بهذا فقد ذكر أنّ للجرجانيّ كتابا هو المفتاح، فقلت: إنّ ضالّتي قد وجدت، فبحثت عن الكتاب، وبعد جهد توصّلت إلى كتاب للجرجانيّ اسمه «المفتاح في الصرف»، وبحثت فيه عن ذلك فلم أجد شيئا يدلّ على ما ذكره، ولو بالإشارة، فكان المفتاح في الصرف ليس له علاقة في اشتقاق بأسماء الله من قريب ولا بعيد، كما أنّي لم أجد كتابا بهذا الاسم فيما لديّ من مصادر يذكر كتابا اسمه مفتاح الهدى، سواء للجرجانيّ أو غيره.
وخلال بحثي في الكتاب عن شيء يدلّ على المؤلّف في محاولة لمعرفة المؤلّف وجدت عبارة مهمة وهي: «قال الأمير» (?)، ولعلّها من أهمّ العبارات التي تشير إلى المؤلّف، إذ قد يكون الأمير هو مؤلّف الكتاب، إذ من المعتاد في كتب القدماء أن يذكر المؤلف باسمه أو بلقيه، لأنّ كثيرا منهم قد أملى كتابه إملاء على تلاميذه، فقام هؤلاء التلاميذ بذكر أسمائهم فيها، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: «معاني القرآن» للفراء، والذي ترد فيه عبارة «قال الفراء» أو «حدثنا شيخنا» (?).
ونظرا لأهميّة هذه العبارة قمت بالبحث في المصادر عمّن يلقب بالأمير من العلماء الذين عاشوا في عصر المؤلّف في القرن الخامس، فلم أجد سوى الأمير العالم ابن ماكولا، وهو سعد الملك أبو نصر عليّ بن هبة الله بن عليّ بن جعفر، صاحب كتاب «الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب» المتوفّى سنة نيّف وسبعين، أو نيّف وثمانين وأربع مئة للهجرة، فيكون كما ذكرت، من عصر عبد القاهر الجرجانيّ، وهو العصر الذي رجحت أن يكون قد كتب فيه الكتاب.