قبيلته ومصيرها جعله يستهين بكل شيء حتى لو ضحى بعضو من أعضائه أو بحياته كلها.

وربما لجأ الشاعر إلى الحيلة وحسن التدبير ليصل نذيره لقومه حين يكون مغلوبا على أمره، كما فعل رجل من تميم كان أسيرا في حي من أحياء العرب، فعزم ذلك الحي على غزو قومه، فكتب إليهم معجما يدعوهم أن يتركوا أرض الدهناء، حتى يفوتوا على عدوهم فرصته ويأمرهم أن يعتصموا بالصمان، يقول:

خلوا عن الناقة الحمراء واقتعدوا ... العود الذي في جنابي ظهره وقع2

إن الذئاب قد اخضرت براثنها ... والناس كلهم بكر إذا شبعوا3

فقد أراد الشاعر بالناقة الحمراء أرض الدهناء وهي لبنى تميم وشبهها بالناقة لسهولة ركوبها والسير فيها، وباقتعاد العود ركوبه، وأراد به بلد الصمان، فحين وطئ وكثرت فيه الأقدام صوره بصورة البعير المسن الذي وضح في ظهره آثار الدبر. فهو يناشدهم أن يعتصموا بأرض الصمان، ويمتنعوا بها فالسير فيها عسير لوعورتها، لذا يشق على خيلهم أن تطأها، أما الدهناء فهي ممكنة، ثم صور القوم الذين يغيرون عليهم بالذئاب لغدرهم وحرصهم على أن يصادفوا منهم غرة، فالأرض إذا أخصبت واخضرَّت وكثر العشب فيها شبع الناس، فساعدهم ذلك على الإغارة، فعداوة هؤلاء بكر بن وائل، فما كان من قومه إلا أن أطاعوا دعوته ووعوا تحذيره وانتقلوا إلى حيث يطيب لهم المقام.

فالشاعر ما كان لينسى قومه أو يضن عليهم بالنصح والتحذير حتى وهو فاقد حريته يرسف في أغلاله ويعاني مرارة الأسر وذل القيد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015