الرسول حائرا مفكرا يريد الوصول إلى شيء مقنع له مطمئن يحل له كل هذه الأسئلة والألغاز التي كانت قد تراكمت في فكره وتوالت عليه.. وتقول الأخبار إنه كان منذ صغره يحب الخلوة والانزواء.. حتى بانت عليه، إذ لم يظهر عليه ميل إلى عبث ولهو ولعب وغير ذلك مما يلهي من في سنه ويجعله يمضي وقته بها حتى يبلغ رشده. فعرف بين أهل مكة بالهدوء وبعدم الميل إلى المعاكسة..

كما عرف بالجد وبكراهيته العدوان وإهانة الناس والاستخفاف بهم ليتم وفقر وإملاق، كل ذلك حبه لأهل مكة ولقومه مما جعلهم ينظرون إليه نظرة تختلف عن نظرتهم إلى الآخرين من الشبان والرجال الطائشين النزقين (?) .

وراحت ملامح الطريق إلى النبوة تزداد ايحاء ووضوحا وتقترب بمحمد يوما بعد يوم من نداء الله. وتحدثنا عائشة (رضي الله عنها) أن أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة، حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به، الرؤيا الصادقة، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح، وحبب الله تعالى إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده (?) .

وفي رمضان من السنة الأربعين من عمره خرج محمد صلى الله عليه وسلم كعادته إلى غار حراء متأملا متفكرا مقلبا وجهه في السموات، وفي ليلة اثنين من الليالي الأخيرة من الشهر نفسه جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى. ولنستمع إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم نفسه وهو يحدثنا عن تجربة لقائه الأول الحاسم مع مبعوث الله إلى أنبيائه الكرام:

«فجائني جبريل وأنا نائم بخط من ديباج فيه كتاب فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. فغتني به (?) حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارىء. فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ماذا أقرأ؟ فغتني به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ماذا أقرأ؟

فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (?) فقرأتها ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي فكأنما كتبت في قلبي كتابا فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015