القرآنية قد نزلت- أخيرا- تندد بما فعل ويفعل أولئك المنافقون، وتمزق- بشكل نهائي- الأستار التي يتوارون خلفها. وكانت ألاعيبهم قبل تبوك وبعدها هي النهاية الحاسمة للسماحة التي مرحوا في سعتها طويلا ولم يقدروها حتى قدرها، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلن على الناس ذبذبتهم ونكوصهم، وكلف ألا يقبل منهم ولا يصلي عليهم (?) ، بل أعلم أن استغفاره لهم لن يجاب، ثم طولب المسلمون كافة أن يقاطعوهم (?) .
إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما أن توفي حتى وجد المنافقون المنسربون في حنايا المجتمع الجديد، والذين ازداد عددهم كثرة في أعقاب انتصار الإسلام الحاسم وتفرده بالسلطان، حيث انتمى إليه الكثيرون من العرب رغبا ورهبا، وهم لا يزالون يحملون عاداتهم وممارساتهم القديمة وتسيبهم وانفلاتهم الجاهلي المعروف، وجدوا فرصتهم السانحة فراحوا يتكالبون، كما تكالب غيرهم من أعداء الإسلام ضد الدولة التي مات قائدها ومؤسسها، وليس أدل في هذا المجال من حديث عائشة رضي الله عنها حيث تقول: «لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية والنصرانية، ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم حتى جمعهم الله على أبي بكر» (?) . ومن ثم فإن لنا أن نتصور حجم الدور الذي مارسه المنافقون في حركات الردة والتنبؤ في عهد أبي بكر.. وفيما بعد، في الفتنة التي زعزعت أركان الخلافة الراشدة، وهو ولا ريب دور كبير وخطير بمجرد أن نطلع على التكوين القلبي للمنتمين إلى الفتنة وعلى أسماء قادتها وزعمائها!!