فيه» ، فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «إني على جناح سفر. ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه» . لكنه ما أن فقل عائدا من غزوته تلك، وأصبح على مقربة ساعة من المدينة حتى جاءه الوحي الأمين بحقيقة ما كان يرمي إليه أولئك الرجال المنافقون في بناء مسجدهم ذاك، ودعوتهم الرسول صلى الله عليه وسلم لمباركته!! فما لبث صلى الله عليه وسلم أن استدعى اثنين من أصحابه وقال لهما: «انطلقا إلى المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرّقاه» ، فخرجا مسرعين حتى دخلا المسجد وفيه أهله، فحرقاه وهدماه حتى تفرق عنه أصحابه (?) .

وقد سئل عاصم بن عدي: لم أرادوا بناءه؟ فقال: كانوا يجتمعون في مسجدنا، فإنما هم يتناجون فيما بينهم، ويلتفت بعضهم إلى بعض فيلحظهم المسلمون بأبصارهم، فشق ذلك عليهم، وأرادوا مسجدا يكونون فيه، لا يغشاهم فيه إلا من يريدون ممن هو على مثل رأيهم. فكان أبو عامر يقول: لا أقدر أن أدخل مربدكم هذا، وذاك أن أصحاب محمد يلحظونني وينالون مني ما أكره قالوا: نحن نبني مسجدا تتحدث فيه عندنا (?) .

ويروى البلاذري عن سعيد بن جبير أن بني عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا في (قباء) فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فحسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف فقالوا: لو بنينا أيضا مسجدا وبعثنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيه كما صلى في مسجد أصحابنا، ولعل أبا عامر- الذي كان قد فرّ من الله ورسوله إلى أهل مكة ثم لحق بالشام فتنصّر وأقسم أن يحارب الرسول أينما وجد فرصة لذلك- أن يمر بنا إذا أتى من الشام فيصلي بنا فيه. فبنوا مسجدا وبعثوا إلى رسول الله يسألونه أن يأتي فيصلي فيه. فلما قام رسول الله لينطلق إليهم، أتاه الوحي بالآية السالفة (?) .

ويبدو من دراسة هذه الحادثة أن حركة النفاق كانت قد حذقت، خلال سني الدعوة الطويلة، مزيدا من الأساليب لتخريب المجتمع الإسلامي من الداخل، بعد أن أعيتها كل الحيل السابقة. وها هي الآن تسعى في ظاهر الأمر إلى مزيد من الاندماج في المجتمع الإسلامي وإلى اعتماد مؤسساته نفسها كالمسجد الذي هو رمز العبادة الإسلامية وحرمها للوصول إلى أهدافها بضمان أكبر، حيث سيحقق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015