للمنافقين، مشخصة نماذج (منهم) نكاد نلمسها بأيدينا وهي تتلى علينا، فاضحة خططهم اللئيمة قبل أن تقع، منددة بأساليبهم المرذولة وهم يعملون في الظلام دسا ووقيعة، صابة عليهم غضبها المخيف في أعقاب أية محاولة يستهدفون من ورائها فتنة، أو خديعة أو مكرا (?) .
وهكذا نجد ظاهرة النفاق، رغم كونها ظاهرة مرضية في حدودها النفسية والاجتماعية، إلا أنها في إطار الدعوة الإسلامية تبدو ظاهرة صحة وعافية أشبه بالأمصال المخففة التي تحقن في دم الإنسان لمقاومة مرض من الأمراض وتمكينه من مجابهته وقد عرف طعمه ولونه وقدرته على الفتك واستعد لذلك كله. لقد أدى وجود المنافقين في صفوف المسلمين إلى أن يكونوا حذرين دوما، يقظين أبدا، لا يغافلون ولا ينامون ولا يلدغون من جحر مرتين. وبسبب هذا الحذر واليقظة والسهر المستمر، تمكن المعسكر الإسلامي ليس فقط من الانتصار على أعدائه في الخارج بل- وهذا هو الأهم- تعزيز وحدته الداخلية ورصّ صفوفه، وتذويب الأجسام الغريبة أو شلها وتكييسها أو طردها كي لا تدمر المجتمع الجديد وتنخره من الداخل.. إنها حكمة الله في أن يوجد في كيان المسلمين ما يتحداهم من الداخل دوما ويدفعهم إلى الاستجابة والإبداع.. وحكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تتسع وتتسع حتى تشمل كل حالة وتجابه كل وضع بعيدا عن الجمود على وضع واحد يصل إلى هدفه من أقصر طريق، لكنه أرخص طريق وأكثرها استحقارا للدم الإنساني، طريق الإعدام بالجملة، وحصد رؤوس مئات من الأتباع