تجريد كتيبتين من خمسمائة فارس لحراسة المدينة والطواف في أحيائها ورفع معنويات أهاليها. ويحدثنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيقول: «لقد خفنا على الذراري بالمدينة من بني قريظة أشد من خوفنا من قريش وغطفان.. فكان مما رد الله به بني قريظة عما أرادوا أن المدينة كانت تحرس» (?) . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يبعث العيون من جهته إلى بني قريظة لكي يجيئوه بأماكن خللهم ونقاط ضعفهم (?) وقد تمكن عشرة من أشداء اليهود من التسلل يوما إلى أطراف المدينة فتصدى لهم نفر من المسلمين واشتبكوا معهم في قتال بالنبال أسفر عن تراجع اليهود واحتمائهم بحصونهم، وسيطر الرعب عليهم «فلم يقدروا أن يطلعوا من حصنهم وخافوا خوفا شديدا» (?) .
وصمد المسلمون لمحنة (الأحزاب) وتمكنوا من دحر أخطر هجوم في تاريخ دعوتهم، فتفككت عرى الأحزاب وقفلت عائدة إلى ديارها، وحان الوقت لإنزال العقاب العادل بالجماعة اليهودية التي نقضت العهد في أخطر ساعة عاشها المسلمون. جاء جبريل عليه السلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وسأله: أوقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ أجاب الرسول: نعم. فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم. إن الله عزّ وجلّ يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة، فإني عامد إليهم فمزلزل بهم. فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم مؤذنا يؤذن في الناس (من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة) (?) ، إسراعا بالمسلمين إلى هدفهم واستنهاضا لهم بعد الجهد والعناء الذي أصابهم خلال أيام الحصار الشاقة.
لقد أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم بثاقب فكره أهمية الوقت في الحصول على نتائج باهرة في القتال، فلو أنه أبطأ في حركته هذه لاستفاد اليهود من الوقت في الاستعانة بحلفائهم، أو إقناع اليهود الآخرين بمعاونتهم، أو التشبث بالحصول على قوات من القبائل لتدعيم قوتهم، ولكان بإمكانهم إكمال قضاياهم الإدارية